توقيت القاهرة المحلي 07:00:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسبوع الآلام.. دماء ودموع

  مصر اليوم -

أسبوع الآلام دماء ودموع

بقلم : مصطفى الفقي

تابعت- كما الملايين- التفجير الغاشم الذى تعرضت له «كنيسة مارجرجس» فى مدينة «طنطا» وضحاياه من شهداء الوطن، الذين ذهبوا للصلاة فى واحد من الأعياد التى ترمز إلى استقبال «السيد المسيح» فى «أورشليم»، وهو يوم بهيج يحتشد فيه أمام الكنائس عشرات ممن يجدلون «الخوص» ويضفرون «السعف» وترمقهم أعين الجميع- مسلمين ومسيحيين- بالغبطة والسعادة، فكان الانفجار المروع فى مدينة «طنطا» بوسط الدلتا، بعد شهور قليلة من انفجار مروع آخر فى «الكنيسة البطرسية» بوسط «القاهرة»، ونلاحظ هنا أن الانفجارين ومعهما الانفجار الذى وقع أيضًا فى «الكنيسة المرقسية» بالإسكندرية، تأتى كلها قبيل الأعياد المسيحية، بل إن انفجار «كنيسة القديسين» فى «الإسكندرية» فى مطلع عام 2010 قد جاء هو الآخر قبيل «عيد الميلاد المجيد»، فهذه الجرائم الإرهابية البشعة تستبق غالبًا العيدين «الميلاد والقيامة»، وقد سعى المخططون للأعمال الإرهابية الأخيرة إلى إطفاء الأضواء التى تألقت بعد عودة الرئيس «السيسى» من زيارة موفقة لـ«الولايات المتحدة الأمريكية» لتعصف بأجواء التفاؤل الذى كان يسود الشارع المصرى، فهذه الجرائم الخبيثة هى جرائم ممنهجة تقف وراءها عقول سامة ونفوس شريرة لا تمت للوطن المصرى بصلة، وهى تستهدف الكنائس لتحقيق عدة أهداف فى وقت واحد، أهمها ترويع المصريين واستنزاف جهودهم ونشر عوامل الخوف فى صفوف المواطنين الأبرياء، ثم إنها تستهدف أيضًا ما يتوهمه صناع هذه الجرائم من إمكانية ضرب الوحدة الوطنية المصرية وإحداث هوة خلاف بين أشقاء الوطن الواحد، ثم يأتى الهدف الأكبر، وهو إرسال إشارة إلى الخارج بأن الأوضاع فى «مصر» غير مستقرة، على اعتبار أن مثل هذه الأحداث تؤدى إلى زعزعة الأمن واهتزاز صورة الوطن، على نحو يؤثر على بيئة الاستثمار ومناخ السياحة، مع أمل فى إلغاء زيارة «بابا الفاتيكان» المتوقعة أو تأجيلها، ولذلك فهى جرائم إرهابية متعددة الأبعاد يجرى التخطيط لها من عناصر وافدة على الوطن ومجرمين تسللوا إليه لزرع الخوف وإشعال الفتنة وتشويه صورة الدولة فى الخارج، إن الجريمة الإرهابية تزحف من مكان إلى آخر دون أن يكون هناك بلد آمن مائة فى المائة من تلك الجرائم ذات النوعية الخسيسة والأهداف الخبيثة، وكلها تصب فى خانة أعداء الأوطان، بل أعداء الحياة فى كل مكان، ولقد تابعت ردود الفعل، فوجدتها تكاد تكون نسخة مكررة من ذات الانفعالات العاطفية والتصريحات المعتادة، إلى أن جاءت كلمة الرئيس «السيسى» لتعلن قرارات عملية محددة لمواجهة الموقف الذى فرضه علينا الإرهاب بجرائمه، وأستأذن القارئ هنا فى أن أطرح الملاحظات التالية:

أولًا: إن الارتباط بين «الجريمة» و«العقاب» هو الرادع الذى يمكن أن يؤدى إلى تراجع معدلاتها، لذلك فإن تغليظ العقوبة لا يكفى فقط، بل لابد أن يكون الجزاء مباشرًا وعاجلًا وحاسمًا، وقد كانوا يُدرِّسون لنا فى مادة مقدمة القانون أن (الجزاء زاجر دنيوى منظم)، ولهذا التعريف أهميته فى الدلالة على الربط بين الجريمة والعقاب، فالرجل الذى يغتصب امرأة يواجه حكمًا بالإعدام، فما بالنا بمَن يغتصبون وطنًا بأكمله ويضربون وحدته ويقتلون أبرياءه؟! واستقراء التاريخ يؤكد أن كل الجرائم الإرهابية لم تنحسر إلا بعقوبات رادعة، تكون رسالة واضحة لمدبرى الجرائم فى أوكارهم بأن يد العدالة سوف تطولهم، وأن الوطن سوف ينال منهم، مهما كانت سطوتهم الباغية وأساليبهم الملتوية وجرائمهم المفاجئة.

ثانيًا: إننى ألفت النظر وبشدة إلى ضرورة مواجهة آفة الفكر الدينى المتطرف فى بلدنا، والتى أراها قد استفحلت، رغم الجهود الضخمة فى مواجهة التيار الظلامى ومحاولة الاستجابة للدعوة الواعية نحو تجديد الخطاب الدينى، إلا أننا لانزال جميعًا فى مرمى النيران، وأنا أطالب صراحة بتنقية فكر الجماعات السلفية وإنقاذ الإسلام الحنيف من براثن مَن يسعون إلى تشويهه والنَّيْل منه بالتركيز على نظم التعليم والمقررات الدراسية وأساليب التربية، ولقد آلمنى أن أرى مَن يكتب مؤخرًا بعد جريمة اغتصاب رضيعة، مشيرًا إلى فقه مغمور ومغلوط حول نكاح الرضيع! إننا يا سادة نثير سخرية العالم حولنا ونُؤلب كافة القوى الإنسانية ضد دين الرحمة والتسامح، الذى جعل التفكير فريضة إسلامية، ويل لنا من فقهاء لا علاقة لهم بصحيح الدين وقصص مدسوسة على تاريخ المسلمين الأوائل وبغضاء كامنة لدى بعض القلوب تجاه أشقائنا من أهل الكتاب، إننى أطالب بتحريات فكرية ومراجعات دينية لكافة المصادر التى تنطلق منها أحاديث وروايات تدعو إلى التحريض وتختزل دين الله فى الدعوة إلى العنف والانسياق وراء الكبت الجنسى والتعصب الطائفى والفكر الظلامى.

ثالثًا: لقد قلت شخصيًا، فى محاضرة بالأكاديمية الدبلوماسية فى «موسكو» منذ عدة سنوات، إن صمود «أقباط مصر» يستوجب الإشادة، ويدعو إلى الاحترام، بل طالبت بترشيح «الكنيسة القبطية» لـ«جائزة نوبل للسلام» لأنها كنيسة وطنية صامدة، تدرك أبعاد الجريمة، ودوافع الاستهداف التآمرى عليها، باعتبارها جزءًا غاليًا من الوطن المصرى، صاحب التقاليد التاريخية فى الانصهار الاجتماعى والاندماج البشرى والوحدة الوطنية.

تحية لشهداء مصر- أقباطًا ومسلمين- وتحية لبابا الكنيسة «تواضروس الثانى»، الذى يتميز بالحكمة، والذى يتفهم جيدًا بوعى وطنى ودينى ما يدور حولنا، وتحية للإمام الأكبر المساند للكنيسة فى صمودها والداعى إلى مواجهة التطرف والغلو ومحاربة العنف والإرهاب، تحية للمواطن المصرى- رجل الشارع العادى- الذى ألقت الدنيا على كاهله بمشكلاتها المتراكمة وأزماتها المتتالية وجرائمها الغادرة.. وسوف تجف الدماء من فوق أغصان السعف الخضراء، بل سوف تورق حزمًا من الزهور وباقات من الورود، نضعها أكاليل على قبور الشهداء.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسبوع الآلام دماء ودموع أسبوع الآلام دماء ودموع



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon