توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سامى شرف وطقوس الناصرية

  مصر اليوم -

سامى شرف وطقوس الناصرية

بقلم : مصطفي الفقي

لابد أن أسجل إعجابى بشخص سامى شرف الذى كان سكرتيرًا للمعلومات للرئيس عبدالناصر ثم وزيرًا للدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، والسبب فى ذلك أن الرجل قابض بوعى ويقين على الأفكار والمبادئ التى طرحها عبدالناصر والتى تثبت الأيام دائمًا أن معظمها كان سليمًا ولكن المشكلة كانت فى أخطاء التطبيق واستبدال الدولة البوليسية بالدولة السياسية فلقد اكتشف عبدالناصر- عن حق- أن شعبيته الكاسحة تغنيه عن الالتزام بالديمقراطية الحديثة والإنصات للرأى الآخر، وقد يختلف البعض مع السيد سامى شرف، ولكن الأمر المؤكد هو أن الرجل يظل نموذجًا رائعًا للوطنى المصرى الشامخ بعد سبعة وأربعين عامًا من رحيل قائده وزعيمه، ولا أظن أن هناك من يمثل الناصرية ويجسدها فى عصرنا إلا شخصان أولهما سامى شرف وثانيهما هو محمد فايق، قديس السياسة وابن أفريقيا والتعبير الصادق عن سياسات عبدالناصر فى الدبلوماسية والإعلام، وقد كان وزيرًا للدولة للشؤون الخارجية ووزيرًا للإعلام أيضًا ومبعوث عبدالناصر للزعامات الأفريقية فى عصره، وأنا شخصيًا شاهد على ما قاله «نيلسون مانديلا» عن محمد فايق عندما التقى الرئيس الأسبق مبارك فى عاصمة ناميبيا عشية استقلالها، لقد وضعه فى مكانه الطبيعى و

الطليعى بكل الاحترام والتقدير. أعود إلى سامى شرف لكى أسجل أننى قد قرأت له، منذ أيام، دراسة رائعة عن وظيفة سكرتير الرئيس للمعلومات التى شغلها باقتدار لم يرتفع أحد إلى مستواه، وبهرنى أن العصر الناصرى الذى انتهى منذ قرابة نصف قرن كان يأخذ بالأساليب العلمية فى وقت لم يكن فيه (الفاكس أو الإيميل أو الإنترنت) موجودة، كما أن التليفون المحمول لم يكن معروفًا، ولكن سامى شرف استطاع بتوجيه من عبدالناصر أن يقيم شبكة اتصال قوية ومنيعة بين مكتبه فى منشية البكرى وكل محافظات مصر، كما زاد على ذلك أنه لم يكن موظفًا فى مكتب، ولكنه كان مثقفًا فى وطن! لديه رؤية عميقة وفهم عام لكل ما يدور حوله منذ أن ترك المخابرات العامة وجرى اختيار عبدالناصر له لكى يكون إلى جواره، ولابد أن نسجل هنا أن ذلك العصر كان يعرف أندادًا لعبدالناصر قد يقلون عنه فى الزعامة، ولكنهم يقتربون منه فى الزمالة، زكريا محيى الدين يؤثر التعامل مع الرئيس من خلال الأوراق ومكتب سامى شرف، المشير عامر وضباط مكتبه يفضلون التعامل مع الرئيس مباشرة من خلال القائد العام ولا يفضلون أن تمر المعلومات العسكرية من خلال مكتب الرئيس فى منشية البكرى، رغم أن سامى شرف أصلًا هو ضابط كفء فى 

تاريخ العسكرية المصرية، ونتابع ما كتبه السيد سامى شرف عن طريقة تفكير عبدالناصر، فنجد أنها واعية تمامًا بما يجرى على المستويين الدولى والإقليمى مدركة للتطورات الداخلية وردود الفعل الشعبية معتمدة على كفاءات نادرة فى وقتها من أمثال عزيز صدقى ومصطفى خليل وعبدالمنعم القيسونى وسيد مرعى وعبدالرزاق صدقى ومحمود فوزى وحسن عباس زكى وغيرهم من الكفاءات النادرة لذلك العصر، إنه عبدالناصر الذى كان يسعى إلى الكفاءات، وأحسب أن السادات فعل أيضا شيئًا من ذلك عندما استوزر إسماعيل صبرى عبدالله والجبلى ومحمود إمام وفؤاد مرسى وغيرهم من النجوم التى سطعت فى سماء الوطن، لذلك فإننى أزعم أن كثيرًا من خيارات ذلك العصر كانت تعبيرًا عن كفاءات متميزة فى الوطن المصرى، ولقد بهرنى السيد سامى شرف بما كتب من نماذج وأمثلة تدل على انتظام حركة المعلومات وتدفقها وتحليلها أمام القائد الذى كان يقف على يمينه دائمًا كاتب صحفى غير قابل للتكرار هو محمد حسنين هيكل، شريكه فى الفكر ولسانه فى القول وقلمه فى البيان، لذلك فإننى أزعم أن عبدالناصر- كما قال بحق الدكتور جلال أمين فى مقال له منذ أيام- كان محظوظًا برؤيته ونظرته ومفردات عصره، ويلفت نظرى دائمًا الإلمام الواسع للسيد سامى شرف بالعلاقة بين الماضى والحاضر والمستقبل وقدرته على الفهم الدائم والواسع لتلك المراحل وتحليل أبعادها وفهم العلاقة بينها وهو يرد على كثير من الافتراءات بذاكرة حديدية وشخصية أليفة وقدرة على التفسير المنطقى وتقديم الأحداث الصادقة فى زمانها وظروفها، ولعلى أتذكر الآن عندما استدعانى الرئيس الأسبق مبارك إلى حديقة منزله عام 1985 لتكليفى سكرتيرًا له للمعلومات لقد قال لى يومها إنه يضيف إليها كلمة المتابعة حتى لا تضيع المسائل المعلقة فى ملفات النسيان، ولا أعلم لماذا تحذلقت وقلت له: يا سيادة الرئيس إننى لم أعمل أبدًا فى مكتب مسؤول لأننى أفضل حرية الحركة عن الالتزام بتعليمات قد لا أتوافق معها...

وأعترف أن الرجل كان صبورًا وقال لى- ما معناه: إن سكرتير الرئيس للمعلومات والمتابعة منصب يصل أحيانًا إلى درجة وزير وأنت شاب صغير لم يبلغ الأربعين فلابد أن تكون سعيدًا بالاختيار وقد جربتك من قبل ومنذ عامين عندما عملت معى بديلًا للمستشار السياسى أسامة الباز حين أصابته وعكة صحية فرضت عليه أن يلزم الفراش فى المستشفى، وأضاف أنه قد وضعنى فى ذهنه منذ ذلك الوقت وظل يقلب الأمر عامين كاملين حتى استقر رأيه على تعيينى فى ذلك الموقع، والمعروف أن الرئيس الأسبق مبارك كانت علاقته بالزمن ذات طابع آسيوى فهو يأخذ وقته تمامًا قبل أن يتخذ القرار ثم إنه يملك جهازًا عصبيًا فريدًا ولعل ما تعرض له فى السنوات الأخيرة يؤكد ذلك فهو صلب شديد المراس، ولعلى أسجل هنا أن منصب سكرتير الرئيس للمعلومات فى عصر الرئيس مبارك وربما فى عصر الرئيس السادات أيضًا عندما شغله الراحل د. أشرف مروان لا يرقى إلى ما تمتع به السيد سامى شرف من صلاحيات وما تحمله من مسؤوليات، إذ إن لكل عهد ظروفه ورموزه وأفكاره وسياساته، وأتذكر الآن أن اسمى قد أذيع فى أجهزة الإعلام فى الأسابيع الأولى لعملى مع الرئيس ضمن وفد للمباحثات مع رئيس أجنبى فإذا الدنيا تقوم فى الرئاسة ولا تقعد وتصدر تعليمات سريعة إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون بعدم إذاعة اسم سكرتير الرئيس للمعلومات والمتابعة، وتفهمت الأمر راضيًا إلى أن جاء بعدى السفيران رضا شحاتة وسامح شكرى وخضعا لذات القواعد إلى أن وصل بعدهما السفيران ماجد عبدالفتاح وسليمان عواد فأضيفت إليهما صفة المتحدث الرسمى وأصبح اسماهما مذكورين فى الصحف مذاعين فى التلفاز والمذياع، وأظن أن الأمر ينسحب الآن على زميلنا السفير علاء يوسف الذى يشغل وظيفة مماثلة فى مكتب الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن أهم ما أثار انتباهى فيما كتبه السيد سامى شرف هو تلك العلاقة بين مكتب الرئيس والأجهزة الأمينة المختلفة فضلًا عن الوزارات السيادية، إذ لابد أن يعمل الجميع فى إطار منظومة متناغمة من أجل سلامة الوطن ورفاهية الشعب ونهضة الأمة.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سامى شرف وطقوس الناصرية سامى شرف وطقوس الناصرية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon