بقلم : مصطفي الفقي
اختلف ناشر «المصرى اليوم» مع «أحمد زويل» فى حياته ولكن ذكره بالخير بعد مماته، ولا أزعم هنا أن «أحمد زويل» كان ملاكًا له جناحان هبط علينا من السماء، ولكننى أدّعى أنه كان ومضة ضوء فى حياتنا القاتمة، إذ فاز عالم مصرى الأصل والمولد بجائزة «نوبل» فى العلوم، وتلك الجائزة قفزة كبيرة ينال منها التعليم المصرى والبحث العلمى معًا، خصوصًا أن الجائزة فى الفرع الذى حصل فيه «زويل» هى جائزة مستحقة بكل المعانى لا تخضع لاعتبارات سياسية ولا أهواء قومية، فلابد أن يأتى العالم الذى يحصل على «نوبل» فى العلوم بجديد يخدم البشرية ويمثل قفزة لها إلى الأمام، فهى ليست مثل «نوبل» فى الأدب التى تخضع للتوزيع الجغرافى بين الحضارات المختلفة، وليست هى جائزة «نوبل» فى السلام التى تخضع للمواقف السياسية ولا تبرأ من شبهة الانحياز عند الاختيار، وعندما جاء «زويل» إلى «مصر» بالجائزة عام 1999 انتصبت قاماتنا وارتفعت هاماتنا وسارعنا إلى الاحتفاء به بل والمبالغة فى تكريمه، ثم انقلبنا عليه وفتشنا فى أخطائه (ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر) ونسينا قيمته الحقيقية وانزلقنا معه وانزلق هو الآخر إلى صراعات على أرض جامعته فاختلفت الآراء وتباينت الرؤى، كما اتهمناه بأنه لم يقدم لوطنه شيئًا رغم أنه دق الناقوس وحرك المياه الراكدة ووضع «مصر» المستقبل على خريطة البحث العلمى الجاد ولكن يبدو أنه (لا كرامة لنبى فى وطنه) و(أن شاعر الحى لا يطربه) فانهال عليه الهجوم فى المقالات والتطاول فى التليفزيونات والعبث بقيمة لها قدرها فى تاريخنا العلمى والأكاديمى، ولأنه كان زميل دراسة لى أعرفه حق قدره وأدرك جهاده العلمى ونضاله البحثى فقد كنت أشفق عليه، خصوصًا أننى رأيت كيف يكرمه العالم فى كل مناسبة، وأتذكر أنه دعانى لحضور محاضرة حاشدة له فى العاصمة الألمانية «برلين» وفى القاعة الكبرى لكبرى جامعاتها وبهرنى العدد الضخم لأكثر من ألف عالم من أنحاء العالم تقاطروا على العاصمة الألمانية لحضور محاضرة «د. أحمد زويل» وقد كان موضوعها على ما أتذكر عن «ابن الهيثم وعلم البصريات» وشهدت كيف كان التقدير له والاحتفاء بمكانته، وقد قال لى «د. خير الدين عبداللطيف»، سفيرنا الأسبق فى «الهند»، إنه حضر مناسبة مماثلة للعالم المصرى الكبير احتشد له فيها الآلاف من العلماء الهنود من أنحاء شبه القارة ليستمعوا إلى ذلك العالم الكبير الذى اكتفت بلاده بتحويله فقط إلى مادة إعلامية دائمة بالإطراء الزائد أحيانًا أو النقد الظالم غالبًا حتى تركته الدولة لسنوات طويلة مصطدمًا بالروتين العتيق ومحاربًا للبيروقراطية الحمقاء، ولقد قرأت عمود صديقنا المشترك الشاعر «فاروق جويدة» فى صحيفة «الأهرام» عن قرار يجرى اتخاذه لرفع اسم «زويل» من مسمى جامعته والاكتفاء بأن يكون ذلك تسمية فرعية بحيث تحمل الجامعة اسم «مصر» فى محاولة لتخويف كل من يعترض وإحراج كل من يرفض، وأنا أقول لذلك العبقرى الذى يتبنى هذا الاتجاه: إن هذا ظلم بين وعدوان على الرجل فى مماته دون مبرر والأولى بنا أن نكرم ذكراه وأن نحتفى به وهو فى مثواه، ولقد أسعدنى أن تلقيت اتصالًا هاتفيًا منذ أسابيع من قرينة العالم الراحل السيدة «ديما الفحام» تبلغنى فيه بقرار الأسرة إهداء مكتبة «زويل» إلى «مكتبة الإسكندرية» وهو أمر اعتبرته وسامًا على صدر المكتبة، خصوصًا أنه قد جاء فى ذات الأسبوع الذى طلبت منا فيه أسرة الكاتب الكبير الراحل «محمد حسنين هيكل» قبول مكتبته الثرية ضمن مقتنيات «مكتبة الإسكندرية»، وبهذه المناسبة فإننا نؤكد حرصنا على استقبال كل ما يمكن اعتباره إضافة إيجابية لـ«مكتبة الإسكندرية» التى بدأت منذ أكثر من ألفى عام وها هى تواصل رسالتها لكى تحتضن رموز العلم والفكر والفن وإبداعهم الذى لا ينتهى.. تحية لـ«زويل» ودعوة صادقة إلى الكف عن العبث باسمه أو التلاعب بتاريخه، فهو قامة سامقة تعتز بها «مصر» ويفتخر بها شعبها وتزهو بذكراه الأمة.