بقلم : مصطفى الفقي
مضى على دخول الرئيس الأمريكى بايدن إلى البيت الأبيض ما يزيد على شهرين ولم يكمل المائة يوم الأولى فى حكمه، ومع ذلك فإن البوادر التى تلوح فى الأفق تعطى انطباعًا متناقضًا وتثير التباسات واضحة فى المشهد الدولى والإقليمى، فعلاقته بطهران مثيرة للجدل، وموقفه من المملكة العربية السعودية مثير للقلق، وتواصله مع الصين وروسيا روتينى حتى الآن، كذلك فإن تعامله مع الرئيس التركى أردوغان ليس شبيهًا بما كان عليه مع سابقه ترامب، وواضح أن بايدن يحمل فى جعبته ملف حقوق الإنسان وقضايا الحريات والمسائل المتصلة بالديمقراطية فى الدول المختلفة، ولكن الشىء الملاحظ هو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتحرك ببطء واضح تحاول فيه شد الانتباه إلى ملفات جديدة لم يتم الكشف عنها، وفى ظنى شخصيًا أن الإدارة الجديدة مشغولة فى المقام الأول بإلغاء كل ما جاءت به إدارة ترامب ومحو آثاره بقدر ما تستطيع معتبرة أن وجوده كان تهديدًا للدولة الأمريكية وعدوانًا على مبادئها الأساسية، ونحن نطرح هنا بعض التفسيرات للظواهر الجديدة التى جاءت بها- أو على الأقل بشرت بظهورها- الإدارة الأمريكية الحالية وأهمها:
أولًا: تصور الكثيرون- وأنا منهم- أن جزءًا كبيرًا من ملامح الإدارة الأمريكية الجديدة هو امتداد لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، فقد عمل بايدن نائبًا له فكان فى قلب الأحداث فى إدارة الرئيس الأسبق وشريكًا فى القرار السياسى بالقبول على الأقل إن لم يكن جزءًا من صناعته، كما أن بعض الملامح الجديدة لإدارة بايدن الرئاسية تردد بعض المفردات التى شاعت فى عهد أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، ويعتبر التوقف طويلًا أمام ملف حقوق الإنسان واحدًا من أبرز السمات المتعلقة بهذا الشأن ذى الطبيعة العالمية والذى يحتويه ملف شديد الحساسية يتسم بالازدواج الدائم والكيل بمكيالين، فحقوق الإنسان قضية نسبية تخضع للإطار الثقافى والمناخ الاجتماعى والبيئة الفكرية والأخلاقية التى تحيط بظروف كل دولة والذين ينتقدون ملف حقوق الإنسان فى بعض الدول هم أولى بالنظر فى ملفاتهم وما تحتويه من خروقات، وكأن ما هو حرام على البعض حلال للبعض الآخر! وذلك رغم اعترافنا بوجود حد أدنى مشترك بين الأمم والشعوب لمفهوم حقوق الإنسان وملفاته.
ثانيًا: واضح أمام المراقبين فى الفترة المحدودة التى مضت منذ دخول الرئيس الأمريكى البيت الأبيض مضافًا إليها تصريحاته الانتخابية وانتقاده الشديد لمواقف ترامب وسياساته ورغبته فى الخروج عنها بمعدل مائة وثمانين درجة أحيانًا فى الاتجاه الآخر، ولذلك فإن الكثير من مبادرات بايدن وسياساته ستكون رد فعل لما اتخذه ترامب فى فترة رئاسته من قرارات وما استند إليه من أفكار، وذلك يبدو واضحًا فى تعامل الرئيس الجديد مع دولتى إيران وتركيا كل على حدة، فضلًا عن موقفه المتشدد تجاه المملكة العربية السعودية والمختلف إلى حد كبير مع مصر، حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية وقعت على مذكرة الدول الإحدى والثلاثين التى تناولوا فيها ملف حقوق الإنسان فى مصر حاليًا بلغة لا تخلو من ظلم ولا تبرأ من افتراء، ولقد تناست تلك الدول أن مصر تقود معارك ضارية فى وقت واحد بدءًا من الحرب على الإرهاب مرورًا بالإصلاح الاقتصادى وملفات حدودها الشرقية والغربية فضلًا عن أزمة سد النهضة والتغييرات الضخمة التى تجرى على أرض الواقع فى البنية الأساسية ومظاهر التحديث فى الحياة المصرية المعاصرة وكل حديث عن حقوق الإنسان منزوعًا من إطاره والظروف المحيطة به هو تقدير غير دقيق وموقف متحامل.
ثالثًا: إن المناخ الدولى الذى نعيشه حاليًا يختلف عما سبقه ويعطى انطباعًا بأن العالم يتغير بسرعة خصوصًا أن وباء كورونا قد ملأ الدنيا وشغل الناس وفرض نفسه على الأنظمة والحكومات بل والقرارات الاقتصادية والسياسية على حد سواء، خصوصًا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من أكثر الدول معاناة من الوباء القادم.
إن ما نشير إليه فى هذا المقال الموجز هو محاولة للتحريض على دراسة الإدارة الجديدة التى لم يبق أمامها ما يمكن أن تقدمه للدولة العبرية فقد تكفلت إدارة ترامب بما يفوق المطالب الإسرائيلية ذاتها! واستعان بايدن بعدد كبير من اليهود فى إدارته ولا بأس فى ذلك، فقد ذكر هو نفسه أن أباه قال له ذات يوم: «ليس شرطًا أن تكون يهوديًا لكى تصبح صهيونيًا».. إننا أمام ملفات جديدة، وسياسات مختلفة، ورؤية متباينة للسياستين الدولية والإقليمية التى تتعامل بها واشنطن فى ظل إدارة لا يمكن القطع الكامل بمواقفها وهى لم تكمل المائة يوم الأولى من وجودها.