توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لقد رحل «سيد ياسين»

  مصر اليوم -

لقد رحل «سيد ياسين»

بقلم : مصطفى الفقي

كان علامة بارزة على جيل بأكمله، فلقد استقطبت شخصيته أبناء الجيل كله، لأنه كان- رغم تخصصه فى «علم الاجتماع»- واحدًا من أبرز شيوخ «علم السياسة»، كما ضرب بسهم فى معارف متعددة، فكان مثقفًا رفيع الشأن له فى «العلوم السلوكية» كما له فى كافة «الدراسات الإنسانية»، وكان مفكرًا يعتز بذاته ووطنه ويتصرف بشموخ وكبرياء فى كافة مواقف حياته، وقد ربطتنى به صلات وثيقة وعلاقات طويلة، فعندما عدت من «لندن» حاملًا درجة الدكتوراه فى سبتمبر 1977 فوجئت به يتصل بى على غير معرفة مباشرة، ويقول لى إنه قد علم بحصولى على هذه الدرجة الرفيعة، وإن موضوع الدراسة يستهويه كعالم يقف على الحدود بين علمى «السياسة والاجتماع»، لذلك فإنه يدعونى- باعتباره مديرًا لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام- إلى حوار موسع مع أعضاء المركز وضيوفه حول موضوع الرسالة، الذى يدور حول «الأقباط فى السياسة المصرية»، متخذًا «مكرم عبيد باشا» نموذجًا، فهو المجاهد الكبير وسكرتير عام «حزب الوفد» منذ رحيل «سعد زغلول» وخلافة «مصطفى النحاس» له وصولًا إلى الصدام التاريخى المعروف بين الصديقين «النحاس» و«عبيد»، حتى إن الأخير أصدر كتابه الأسود بمباركة من «القصر» وإغراء من الداهية «أحمد حسنين باشا»، رئيس الديوان، لشق عصا الحزب والثأر لحادث 4 فبراير عام 1942، ولقد تلقيت دعوة الراحل العظيم «سيد ياسين» بامتنان، وتأملت كيف يسعى ذلك الأستاذ العظيم، ومعه رفيقه د. «على الدين هلال»، وبالقرب منهما د. «سعد الدين إبراهيم»، كيف يسعون إلى إبراز طاقات أبناء جيلهم وإعطائهم الفرص ودفعهم دفعًا إلى الأمام فى إيمان متجدد بالتواصل بين الأجيال، وقد حضرت إلى مقر المركز فى صحيفة «الأهرام» فى الموعد المحدد ومعى أطروحة الدكتوراه بلغتها الإنجليزية، وقدمت عرضًا وافيًا لمحتوياتها والرسم البيانى للعلاقة الطردية بين تمثيل الأقباط فى «البرلمان» المصرى وبين درجة فوز «حزب الوفد» فى الانتخابات المختلفة، واستخلصت نتائج الدراسة، واستمعت إلى تعليق الأستاذ «سيد ياسين»، الذى أغدق علىَّ يومها تقديرًا أكثر مما أستحق، كذلك استفدت من تعليقات زملائى من الخبراء والباحثين فى المركز وكانت بداية تعاون بينى وبينهم، ومنذ ذلك المساء وأنا أضع «سيد ياسين» فى مقام المعلم، وهو الحقوقى وأستاذ «علم الاجتماع» وفارس «الدراسات السياسية» وصاحب الكتابات الرصينة والمبادرات البَنَّاءة، فقد كان بحق «ناظر مدرسة البحث العلمى» فى «العلوم الاجتماعية»، وكا

نت له إسهاماته المرموقة فى «المركز القومى للبحوث الاجتماعية»، حيث اتسمت دراساته بالموضوعية والحياد الأكاديمى، مع التواضع أمام مَن هم أقل منه والزهد فى المناصب والتمسك دائمًا بقيم العالِم الذى يحترم مبادئه، وفيًا لأفكاره، صادقًا فى معتقداته، ولقد كان لديه تقدير خاص للحقبة الناصرية، مع إقراره فى ذات الوقت بأخطائها، فكان ذلك الرجل الكبير مؤمنًا بالزعيم دون دروشة، مع إحساس حقيقى بالطبقات الكادحة وفقراء «مصر»، وقد قام بالتدريس فى الجامعات المصرية والأجنبية، كما تولى إدارة «منتدى الفكر العربى»، الذى أنشأه الأمير «الحسن بن طلال» فى «الأردن»، وقد حصد جوائز الدولة المصرية من أصغرها إلى أكبرها، وأعطى اهتمامًا خاصًا لدراسة المجتمع الإسرائيلى، وجعل الدراسات الفلسطينية مركز اهتمام بـ«الأهرام» عبر السنين، ولقد زاملته خلال الخمسة عشر عامًا الماضية فى عضوية «المجلس الأعلى للثقافة»، وراعنى دائمًا شخصيته الموسوعية وقدرته على الحديث فى الموضوعات المختلفة وإيمانه العميق بالثورة التكنولوجية وإحساسه الدائم بأهمية رعاية الشباب وتقديم خلاصة تجربته للأجيال الصاعدة، كما جمع ذلك العالِم المستنير فى أبحاثه الاجتماعية بين الدراسات النظرية والتطبيقات العملية، فكان يؤمن بالأرقام والمسح الميدانى والبحوث «الإمبريقية»، وكان يتصل بى بين حين وآخر يطلب خدمة بسيطة أو توصية عادلة، وكنت دائمًا طوع إشارته، خصوصًا فى سنوات محنته الصحية والظروف الصعبة التى اضطرته إلى العمل حتى آخر أيام عمره! فلم يتقاعس «سيد ياسين» عن مواصلة رسالته، حتى اقترب من سن الخامسة والثمانين، والفكر لا ينضب والعقل لا يتوقف والقلب لا يزال رحبًا حانيًا يتسع للجميع، أما إذا غضب فإنه ينتفض كالأسد الهصور ويزأر فى وجه مَن أمامه، مهما كان منصبه أو سلطته، وكان يتشاور معى أحيانًا وأنا أجلس بجانبه فى التصويت على جوائز الدولة حتى تكون أصواتنا شديدة الموضوعية بعيدة عن الهوى تدفع إلى الصفوف الأولى ببعض المُهمَّشين ممن لا سند لهم إلا الموهبة المكتومة والمكانة المؤجلة!.

إن رحيل «سيد ياسين» يطوى صفحة ناصعة فى تاريخ الفكر المصرى المعاصر، ويغلق فصلًا كاملًا من الأستاذية المتألقة دائمًا، وسوف يظل «سيد ياسين» شمعة مضيئة أكثر منه دمعة حزينة، لأن الرجل أدى واجبه باقتدار وانتصر دائمًا للحق وآمن إيمانًا عميقًا بالوطن ومستقبله وانحاز لشعبه وعاش راهبًا فى محراب علمه خادمًا لأمته.. رحمه الله بقدر ما أعطى من معرفة وأنار من ضوء وغرس من مبادئ وألهم من فكر!.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقد رحل «سيد ياسين» لقد رحل «سيد ياسين»



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon