توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في حضرة العلماء

  مصر اليوم -

في حضرة العلماء

مصطفي الفقي
بقلم - مصطفى الفقي

«إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ»، تعكس هذه الآية الكريمة مكانة العلم والعلماء عند الله، والذين لا يفكرون فى هيبة العلماء ومكانتهم إنما هم أولئك الذين لا يَغْشَوْن مجالسهم، ولا يحملون على كواهلهم توقير العلماء واحترام أهل المعرفة، «هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، فأهل العلم هم حراس مفاتيح التنوير، وحمَلة مصابيح التقدم، ومَن لا يُقدِّر فضل العلماء لا يعى من أمره شيئًا، حتى إنه ورد فى تاريخ الأئمة أن الإمام «الشافعى»، رضى الله عنه، قد سعى إلى طلب رأى فقهى من أحد مشاهير عصره، وعندما ذهب إليه وجده يداعب حصانه بعلف وهمى، فعاد «الشافعى» من حيث أتى لأنه رأى أن مَن يخدع الحيوان سوف يخدع الإنسان، وهو ذاته الإمام الذى جلس إلى أحد أئمة عصره الكبار يستفتيه فى أمر ما، فلما أجابه ذلك العالِم إجابة لا تليق بمكانته ردد الإمام عبارته الشهيرة: «لقد آن للشافعى أن يمد رجليه» لأنه لم يجد سببًا لتوقير ذلك العالِم، فعبّر عن موقفه بذلك التصرف التلقائى، وقد دُعيت شخصيًا ذات مرة للقاء مسؤول كبير فى العاصمة البريطانية، عندما كنت أعمل بالسفارة فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، وجلست فى حضرته متأدبًا ومنصتًا، فإذا به يسألنى: ما تفسيرك لما يجرى فى لبنان عند بدايات الحرب الأهلية؟، وبدأت أشحذ ذهنى وأجمع أفكارى شارحًا أن ما يجرى على الأرض اللبنانية هو محصلة لأمراض العرب جميعًا فى كافة أقطارهم، فأجابنى الرجل، الذى نوقره كثيرًا ويعتز به السلك الدبلوماسى المصرى، قائلًا: إن الأمر ليس كذلك، إن الذى حدث أننا قد حُسدنا بعد نصر أكتوبر، فكانت هذه هى النتيجة!، وراعنى أنه كان مقتنعًا بما يقول ومتمسكًا برأيه، وقال لى: «ألم يأتِ ذكر الحسد فى القرآن الكريم، (ومن شر حاسد إذا حسد)؟!»، فأيقنت أننا لسنا فى جلسة علمية ولا فى حوار دبلوماسى، ولكننا أمام فهم خاص للأمور ربما بمنطق العمر المتقدم أو إرهاق السنين فى ظل ظروف صعبة مرت بها مصر وتحمل المسؤولون فيها أعباءً جسامًا، وعندما كنت أجلس إلى زميل دراستى «أحمد زويل» فى سنواته الأخيرة كنت أصغى بانتباه واحترام مثلما أفعل فى حضرة أهل الذكر الذين دعانا الله إلى سؤالهم إن كنا لا نعلم: «واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، ولقد حرصت الحضارات والديانات والثقافات على احترام العلماء وتبجيلهم لأن تداول المعرفة هو واحد من شروط التقدم، وإذا كنا نقول إن العلم لا وطن له، إلا أننا نضيف مباشرة: ولكن للعلماء أوطانهم التى ينتمون إليها ويدافعون عنها، وأسوق هنا بعض النماذج التوضيحية، فلقد ذكر بعض الأدباء عندما حصل «نجيب محفوظ» على جائزة نوبل أن «توفيق الحكيم» كان هو الأحق، ولكن التوجهات الفكرية لنجيب محفوظ كانت مواتية للعقلية الغربية أكثر من فيلسوف المسرح، المفكر العظيم، «توفيق الحكيم»، لذلك لم يحصل «نجيب محفوظ» على «نوبل» إلا فى العام التالى على وفاة «توفيق الحكيم» لأن تخطيه كان أمرًا لن يكون مقبولًا، كذلك فإن «يوسف إدريس»، عبقرى القصة القصيرة، قد رحل عن عالمنا هو الآخر وفى قلبه لوعة بعد أن ظلت الشائعات ترشحه لتلك الجائزة لعدة سنوات، وما أكثر الانتقادات التى تُوجَّه إلى حمَلة نوبل بالحق أو الباطل، وأنا أتذكر أن «زويل» قد تلقى طعنات كثيرة بزعم أنه ذهب إلى «إسرائيل»، ولم يكن بعيدًا عن الدوائر العلمية فيها، وغاب عن هؤلاء أنه فى فروع العلوم والتكنولوجيا يصعب تخطى العلماء اليهود فى الجامعات الغربية أو فى إسرائيل ذاتها، ونكرر هنا مرة أخرى أن العلم لا وطن له ولكن للعلماء أوطانهم.وأنا شخصيًا عندما أجلس إلى بعض علمائنا ومفكرينا أشعر بالمتعة الحقيقية والرياضة الذهنية والهندسة العقلية، التى تعرف ترتيب الأولويات وجدولة الذهن وتؤمن بأن لكل مقام مقالًا، وأن التعمق فى فقه الأولويات هو الذى يميز مَن يعلمون عمن لا يدركون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حضرة العلماء في حضرة العلماء



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon