توقيت القاهرة المحلي 04:38:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ.. حفيد الباشا الثائر

  مصر اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر

بقلم مصطفي الفقي

رحل السفير «على ماهر» عن عالمنا بعد مرض طويل، منسحبًا من الحياة بذات الهدوء الذى اتصف به عبر مسيرة عمره كله، وهو ابن السيدة «سميحة أحمد ماهر»، ابنة الباشا الثائر، وعمها الآخر هو الباشا الداهية «على ماهر»، وقد اختارت لابنيها اسمى أبيها وعمها تيمنًا بقدرهما الرفيع فى السياسة المصرية الحديثة، ولقد أصبح الشقيق الأكبر لأحمد ماهر وزيرًا للخارجية، ورحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة، وبقى «على ماهر» أيقونة فريدة فى عقد الدبلوماسية المصرية بثقافته الواسعة وخبرته الطويلة وأدبه الجم، وكانت لديه كما كان الأمر لأخيه الراحل قدرة مبهرة على الحديث باللغة الفرنسية على نحو كان محل دهشة الفرنسيين أنفسهم، وعندما كان سفيرًا فى «باريس» كان مُشرفًا لبلاده ونموذجًا رائعًا لسفراء العالم فى عاصمة النور، وأتذكر أننى زرتها عدة مرات أثناء وجوده على رأس بعثتنا هناك، وكان يصر على استقبالى ومرافقتى حتى باب الفندق كرمًا منه زائدًا وأدبًا رفيعًا اتصف به على الدوام.

وتعود علاقتى بهذا الدبلوماسى الراحل إلى سنوات التحاقى بوزارة الخارجية ودراستى بالمعهد الدبلوماسى، وكان هو بدرجة (سكرتير ثالث)، وكان يصر على توصيلى معه إلى «مصر الجديدة» بسيارته (الفولكس) الصغيرة، وقد اقترن بزميلتى الفاضلة الملحقة الدبلوماسية «شاهيناز عباس المهدى»، ابنة الباشا المحترم، شقيقة الوزير «أمين مهدى»، وزير العدالة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011، وقد شكل «على ماهر» و«شاهيناز المهدى» ثنائيًا راقيًا فى كل المحافل الدولية والمحلية، وعندما عمل مديرًا لمكتب وزير الخارجية ، وذهبت إلى الوزارة مُبعَدًا من رئاسة الجمهورية، كلف الوزير «عمرو موسى » مدير مكتبه «على ماهر» بترتيب أوضاعى الجديدة، وأصدر قراره بتعيينى أمينًا للمجلس الاستشارى للشؤون الخارجية، وأتذكر أن الراحل الكريم كان يذهب معى لانتقاء حجرة مكتبى والتأكد من كافة الترتيبات المتصلة بوضعى الجديد.

ولقد كان فارسًا نبيلًا فى كل مواقعه ومواقفه، وعندما أنهى مهمته سفيرًا فى «باريس» كانت «مؤسسة الفكر العربى»، التى أسسها الأمير «خالد الفيصل»، تبدأ خطواتها الأولى، وعرض علىَّ الأمير وقتها أن أكون أول أمين عام لتلك المؤسسة، بعد أن تحدد مقرها فى «بيروت»، على أن يكون الأمين العام مصريًا، ولكننى اعتذرت وقتها بسبب عضويتى للبرلمان المصرى، واقترح الكثيرون على الأمير- وأنا منهم- اختيار السفير اللامع «على ماهر» لهذا المنصب، الذى شغله باقتدار لسنوات ثلاث، وترك أثرًا طيبًا لدى الأمير ومجلس الأمناء والمجلس الاستشارى للمؤسسة وسائر الأعضاء، وقضى «على ماهر» تلك السنوات فى العاصمة اللبنانية، متحدثًا بالعربية والإنجليزية والفرنسية كأفضل ما يكون الحديث، تاركًا رصيدًا يذكره له الجميع مثلما يذكر له أشقاؤنا فى «تونس» فترة عمله هناك سفيرًا لمصر والانطباع الطيب الذى خلَّفه ذلك الراحل، الذى رشحته الشائعات ليكون وزيرًا للخارجية فى مطلع هذا القرن، ولكن شقيقه الأكبر قد حظى بذلك المنصب، وقد كان هو الآخر يحمل ثقافة رفيعة وكفاءة عالية، وقد خدم سفيرًا فى «البرتغال» و«بلجيكا»، ثم فى «موسكو» و«واشنطن».

إنها عائلة متميزة تركت بصماتها على العمل الدبلوماسى، ولا عجب، فالدكتور «أحمد ماهر باشا» من ثوار 1919 الذى خرج على «الوفد» عندما اختلفت آراؤه مع «النحاس باشا»، وهو الذى قال له، غداة حادث 4 فبراير 1942: (لقد جاءت حكومتك يا باشا محمولة على الدبابات البريطانية!) وقد اغتيل فى «البهو الفرعونى» بمبنى البرلمان المصرى، أما «على ماهر باشا» فهو الذى أشرف على تولية «فاروق» مقاليد الحكم، حيث كان رئيسًا للديوان الملكى، وهو أيضًا الذى حمل إليه «وثيقة التنازل» عن العرش ليوقعها فى إطار أحداث ثورة 23 يوليو 1952، فكان هو الذى أشرف على توليته وأشرف على تنحيته، وكان سياسيًا ضليعًا، كما اتهمه الإنجليز بالتعاطف مع سياسات (المحور)، وحاولوا إبعاده عن المسرح السياسى خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.

إن عائلة «ماهر»- الأجداد والأحفاد- يمثلون دوحة متألقة فى تاريخنا السياسى والدبلوماسى، ومازالت أصداء السنوات التى قضاها السفير «على ماهر» مسؤولًا عن العلاقات الخارجية لمكتبة الإسكندرية، ثم متحدثًا رسميًا باسمها، تملأ الزمان والمكان، حيث يذكره الجميع هناك بالثناء والتقدير والعرفان، وقد نعاه مدير المكتبة، الدكتور «إسماعيل سراج الدين»، بمقال فى الصحف، غداة وفاته، كما فعل نفس الشىء السيد «عمرو موسى»، وزير الخارجية الأسبق، فقد ترك الراحل مودة واحترامًا وإعجابًا لدى كل مَن عرفه فى مسيرة حياته الدبلوماسية والثقافية، لقد تذكرت ذلك كله ونحن نقف أمام قبره عندما كان يُوارَى ثرى «مصر»، مسافرًا إلى حيث لا يعود الناس، ونحن لا نملك إلا الدعاء له بالمغفرة، وسوف نتذكره دائمًا نجمًا بارزًا فى سجل الدبلوماسية المصرية، كما سوف تتذكره أجيال الدبلوماسيين القادمة نموذجًا يُقتدى ومثالًا يُحتذى وابنًا بارًا للوطن المصرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon