توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان فى مفترق الطرق

  مصر اليوم -

السودان فى مفترق الطرق

بقلم : مصطفى الفقي

لن أكرر المقولات التقليدية من أن السودان امتداد استراتيجى لمصر، وأن مصر امتداد استراتيجى للسودان، فتلك حقيقة أكدها التاريخ وحكمتها الجغرافيا، كما لن أخوض فى حديث التوأمة وخصوصية العلاقة بين البلدين، فتلك أمور يعرفها الجميع منذ أن كان شعار وحدة وادى النيل أطروحة على ألسنة المصريين والسودانيين فى الشمال والجنوب، ولكن دعنا نعترف بأن الأوضاع قد تغيرت، وأن الأمور قد تبدلت، فالعلاقات بين البلدين كانت نموذجًا للصعود والهبوط وفقًا لطبيعة الحكم فى كل من القاهرة والخرطوم، وأتذكر الآن أن الإمام المهدى الكبير أبدى انزعاجه عند مقتل جوردون باشا الحاكم الإنجليزى للسودان، وقال المهدى إنه كان يتطلع إلى مقايضته بأحمد عرابى المصرى ليعود من منفاه فى مقابل ضمان سلامة جوردون، وفى ذلك رد تاريخى على ما درج عليه المؤرخون من القول بأن العلاقات بين مصر وحزب الأمة كانت دائمًا متوترة، فليس ذلك صحيحًا على إطلاقه، كما أن علاقة القاهرة بالختمية ومولانا الميرغنى وأولاده لم تكن ذات خصوصية مطلقة أيضًا، فمصر تنظر دائمًا إلى السودان كوحدة واحدة ولا تنحاز لحزب دون الآخر أو تكون مع فصيل ضد غيره، ولقد مرت العلاقات المصرية- السودانية فى العقود الأخيرة بمحطات ثلاث رئيسية، هى:

أولًا: انهيار شعار وحدة وادى النيل عندما تحول الحزب الاتحادى برئاسة إسماعيل الأزهرى إلى الدعوة لاستقلال السودان بديلًا عن الوحدة مع مصر، وذلك بعد ثورة يوليو عام 1952 وسقوط تاج ملك مصر والسودان وشعور السودانيين بأن مصر تمضى فى طريق جديد لا تبدو ملامحه واضحة خصوصًا فى ظل الصراع على السلطة بين قائد الثورة عبدالناصر ونجيب الأب الروحى لها، والكل يذكر أن اتجاه مصر إلى المشرق العربى جاء تلقائيًا على حساب نظرتها إلى الجنوب وتمسكها بشعار وحدة وادى النيل.

.. وبلغت العلاقات المصرية- السودانية بعد الاستقلال درجة من الارتفاع والانخفاض فى عهود عبدالله خليل وإبراهيم عبود، كما لعبت شخصية ذات خصوصية فى تاريخ السودان الحديث، وأعنى بها السيد الصادق المهدى، الذى تربطنى به صداقة طويلة، لأنه فى ظنى كان النموذج الأفضل لقيادة السودان المستقل بحكم علمه وثقافته وفهمه العميق للسودان ومصر معًا، فضلًا عن مكانته الدينية وزعامته التاريخية.

ثانيًا: إن مجىء جعفر نميرى إلى الحكم يمثل فى ظنى أفضل فترات العلاقة بين الخرطوم والقاهرة، فهو الذى رفض أن يقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر وفقًا لقرار القمة العربية بعد توقيع مصر معاهدة السلام فى 26 مارس عام 1979، وهو الذى تعايش مع عبدالناصر والسادات ومبارك حتى سقط نظامه بفعل حركة النقابات وقوى المجتمع المدنى السودانى التى أطاحت به، فعاش لاجئًا سياسيًا فى العاصمة المصرية التى أكرمت وفادته حتى رحيله، ولقد اقتربت منه سنوات منفاه فى القاهرة واستمعت منه إلى تفاصيل كاملة عن مسرح الحياة السودانية من وجهة نظره، وتعرضت فى حديثى معه إلى مسألة تهجير يهود الفلاشا، وعن دوره فى تلك العملية الشهيرة، وتذاكرت معه أزلية العلاقة بين القطرين، وكيف أن مصر لم تجد أفضل من السودان لاستقبال طلاب كلياتها العسكرية فى أعقاب نكسة عام 1967، وذكرته بأن الشعب السودانى الذى خرج فى الخرطوم لتحية عبدالناصر هو الذى أزال غشاوة النكسة وأعاد الثقة للقيادة التى كانت تعانى مرارة الهزيمة.

ثالثًا: إن ما يسمى ثورة الإنقاذ الوطنى عام 1989، المتمثلة فى الانقلاب العسكرى الذى قاده رهط من الضباط السودانيين المتأثرين بفكر الجبهة الإسلامية ومبادئ الإخوان المسلمين مع بعض التأثيرات البعثية، وهو انقلاب جرى بقيادة عمر البشير مستندًا إلى فكر حسن الترابى ودوره المعروف فى التحفظ تجاه السياسة المصرية عمومًا فى كل عهودها، وقد كان ذلك الانقلاب نقطة تحول واضحة فى تأكيد عداء كامل تجاه مصر والسعى لتقليص مظاهر وجودها فى القطر السودانى، بدءًا من جامعة القاهرة فرع الخرطوم مرورًا باستراحات الرى وصولًا إلى كل المظاهر التاريخية الباقية للعلاقة الوثيقة بين البلدين، كما اتخذ البشير مواقف إقليمية ودولية لا تتماشى مع السياق التاريخى لما نطلق عليه الروابط الأزلية بين البلدين، ودخل فى محاور معادية للقاهرة واستغل النزاع الحدودى فى مثلث حلايب وشلاتين ليجعل من ذلك قميص عثمان الذى يرتديه كلما شاء سعيًا لتشويه صورة مصر وتدمير الأسس الراسخة للعلاقات بين شطرى الوادى.

وعندما سقط نظام البشير الذى قسم السودان وأذكى كل النزعات العرقية والقبلية والجهوية تنفس السودان الصعداء فى ظل قيادة جديدة بدأت تعيد النظر فى العلاقات مع مصر انطلاقًا من مصادرها الإيجابية بعيدا عن الحساسيات الموروثة وبقايا السياسات الاستعمارية لكى ينطلق الشعبان فى ندية وتواصل من أجل مستقبل أفضل لهما وللمنطقة كلها، ولقد انعكس ذلك بالضرورة على الموقف السودانى فى مفاوضات سد النهضة وأصبحنا نشعر فى القاهرة بأن الاعتدال والوقوف على أرض وطنية سوف يكون هو سمة الحكم الجديد، واضعين فى الاعتبار أن العلاقات بين الشعبين كانت ولاتزال عميقة الجذور ولن يفرط فيها أحدهما، كما أننا لا يمكن أن نبدأ من جديد أو نكون فى مفترق الطرق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان فى مفترق الطرق السودان فى مفترق الطرق



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon