توقيت القاهرة المحلي 02:56:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القوى الناعمة

  مصر اليوم -

القوى الناعمة

بقلم : مصطفى الفقي

تذكرت الناقد الفنى الكبير طارق الشناوى طوال أسابيع «الحبس الاحتياطى» بالمنزل جراء فيروس كورونا، ذلك أننى عكفت طوال تلك الفترة على قطع الملل بالقراءة ثم بمشاهدة الأفلام العربية القديمة- الأبيض والأسود- والتى تذكرنا بسنوات الطفولة والشباب الباكر، ولقد بهرتنى السينما المصرية بتاريخها العريق بعد أن جاوزت المائة عام بما يقرب من عقدين وتركت بصماتها القوية على المنطقة العربية والقارة الإفريقية وذاع صيتها وانتشر تأثيرها وظهر على شاشتها عمالقة لا ننساهم أبدًا، لقد عشت مع استيفان روستى، وعبدالفتاح القصرى، وعبدالوارث عسر، وشرفنطح، وبشارة واكيم، وعباس فارس، وسليمان نجيب، وسراج منير، وزكى رستم، وأنور وجدى، وتحية كاريوكا، وهرم الكوميديا نجيب الريحانى، والملك فريد شوقى، بالإضافة إلى الأصوات الرائعة من أمثال عبدالوهاب، وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ، ومحمد فوزى، وكارم محمود وغيرهم، فضلًا عن الأصوات النسائية الرائعة من ليلى مراد، إلى شادية، إلى هدى سلطان، إلى فايزة أحمد ولن أستطيع الإحاطة بكل الأسماء فما أكثرها، ولكننى اكتشفت أن هناك نماذج لمطربين ومطربات كبار كانوا يجيدون التمثيل حتى بغير غناء وأذكر منهم شادية، وعبدالحليم حافظ، وهدى سلطان، وكذلك راقصات يستطعن أداء الأدوار حتى وإن لم يرقصن فيبهرن المشاهدين بالتعددية اللافتة والتى لا يستطيع أحد أن ينكرها، ولعل نموذج تحية كاريوكا هو المثال الرائع لذلك. ونتذكر أيضًا «أبو المسرح المصرى» يوسف وهبى وحنجرته الجهورية التى يعتمد عليها مع طريقة حديثه الخاصة، كما أن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تحتل مكانة متميزة وإن كانت حبيسة أدوار يمتزج فيها النقاء بالطيبة والبعد عن الشر ولكنها أجادت أدوار فتاة المدينة وفلاحة القرية، أما فتى الشاشة اللامع رشدى أباظة فحدث عنه ولا حرج فإن له جاذبية خاصة اعترفت بها الفنانات من كل المستويات، أما شكرى سرحان فهو ابن القرية المتعلم الوقور المحترم بشعبيته الطاغية فى عصره، وأحمد زكى الفنان المرموق فى كل أدواره، وتبقى السندريلا سعاد حسنى متربعة على عرش الفتاة المصرية التى تجيد كل الأدوار وتملك من التعددية الشخصية ما يجعلها تمثل وتغنى وترقص. وحدث بعد ذلك بغير حدود عن الجيل الجديد من ميرفت أمين إلى يسرا، وليلى علوى وأعلام السينما من الشباب مثل أحمد حلمى ومنى زكى، ولا ننسى أسماء كبيرة مثل مريم فخر الدين، ونادية لطفى وقبلهما مديحة يسرى، ويبقى عادل إمام نسيجا وحده فى تاريخ السينما المصرية التى استطاع فيها أن يوظف الفكاهة والسخرية فى خدمة القضايا الوطنية والأفكار العصرية.

لا أستطيع أن أستطرد فى الأسماء فهناك عشرات أخرى لا يقلون قدرًا عمن ذكرتهم وهم جميعًا يمثلون رصيدًا رائعًا للقوى الناعمة المصرية على امتداد قرن أو يزيد. إن السينما استطاعت أن تقدم إنتاجًا كبيرًا من نمط (صلاح الدين) لصديقى العبقرى يوسف شاهين فضلًا عن إنتاج فيلم (وا إسلاماه) والروائع الأخرى المرتبطة بتاريخنا الوطنى وثورة يوليو ونتائجها الاجتماعية والثقافية على المصريين، كذلك فإن العلاقة بين الأفلام من إنتاج الدولة والأخرى من أفلام القطاع الخاص تؤكد أن مصر قادرة على استيعاب التنوع فى كل مراحل تاريخها، ولقد أزعجنى دائمًا محاولات شطب صورة الملك فاروق من المشاهد التى تأتى فيها وكأن ذلك هو القربان الحقيقى لثورة يوليو 1952 وهذا عبث لا جدال فيه، فالتاريخ هو التاريخ، ولقد كنت حريصًا على أن أكتشف تاريخ إنتاج كل فيلم لأربطه بمرحلته ولاحظت أن السينما المصرية من منتصف الأربعينيات حتى ظهور التليفزيون قد تألقت بشكل ملحوظ ثم تدفق إنتاجها العصرى بعد ذلك بأفلام تستهدف إرضاء سوق المشاهدين قبل أذواق الناقدين والعارفين وقد بهرنى التنوع فى اختيار بعض الموضوعات، وقد يختلف النقاد الكبار فى توقيت ميلاد الفيلم المصرى العصرى، فالبعض يفكر فى فيلم العزيمة لمخرجه كمال سليم أو فيلم باب الحديد أو فيلم رد قلبى، ولقد اكتشفت أنه من السخرية أن تسأل مخرجًا كبيرًا عن رأيه فى غيره فقد كنا نجلس ذات مساء فى أمسية بمنزل صديقى الراحل محمد نوح وكان معنا يوسف شاهين وعدد آخر من أقطاب السينما المصرية فتبرع صديق لنا وسأل يوسف شاهين عن أهمية فيلم العزيمة فى تاريخ السينما المصرية فأفلتت أعصاب يوسف وقال: من هذا الحمار الذى يسأل؟!.

وأتذكر ذات يوم أننا كنا نحتفل بعيد الميلاد الخامس والسبعين للفنان العالمى عمر الشريف فى فيلا ابنه بمرتفعات القطامية أنا وصديقى د. زاهى حواس ومجموعة من أهل الصحافة والفن، وتورطت بالحديث عن يوسف شاهين مادحًا ومقدرًا، ولما كان عمر الشريف قد أنهى الكأس الثالث فقد انفعل بشدة وقال: ليس من حق أحد أن يتحدث عن يوسف شاهين إلا أنا، فأنا الذى أعرف ما لا يعرفه أحد.

.. واضطربت الجلسة وشعرت بتحول كبير فى شخصيته من الترحيب الزائد بى إلى الانفعال الشديد علىّ، وكانت هذه طبيعته التى نعرفها لذلك الفنان الراحل، وقد ظل طوال تلك الأمسية يقلد لنا الشيخ الشعراوى فى أحاديثه الدينية وقال إن من آماله أن ينتج فيلمًا عن الشيخ وشعبيته وأن يقوم هو بدوره وكان ذلك مثار دهشة لنا جميعًا، ولقد أسعدنى كثيرًا من تاريخ السينما المصرية أنها كانت تمثيلًا حقيقيًا لمفهوم الوحدة العربية والتعبير الحقيقى عن القومية المشتركة ففى الفيلم الواحد مصريون وشوام وعراقيون، وتختلط الأصوات المسلمة بالأصوات المسيحية والأصوات اليهودية أيضًا، فالفن لا وطن له ومصر بوتقة تنصهر فيها كل التيارات والديانات والثقافات، وكان لا يمكن أن تكتمل المنظومة بدون صوت كوكب الشرق أم كلثوم فى بداية كل يوم وفى نهايته فقد كانت هى التطعيم المتاح ضد الوباء اللعين. فهل يغفر لى الناقد الكبير طارق الشناوى- الذى يمزج الفن بالسياسة ولا يغفل عن التحول الاجتماعى فى كل فترة- وهو الصديق الذى أقرأ له كل ما يكتب منذ سنوات طويلة، تطاولى اليوم فى الحديث عن السينما المصرية التى اقتربت منها بسبب محنة كورونا وتداعياتها التى لم تتوقف بعد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوى الناعمة القوى الناعمة



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon