بقلم : مصطفى الفقي
مازلت أرى أن الوزير الأمثل هو ذلك الذى يملك خلفية سياسية مع كفاءة فنية، فهو القادر بهما معًا على أن يمضى على الطريق الصحيح من أجل تحقيق أهداف وزارته، فإذا افتقد الوزير الخلفية السياسية فإنه لا يملك البوصلة التى تتمكن من وضعه فى الاتجاه السليم، وإذا كان فقير الخبرة الفنية فإنه يصبح تائهًا غير قادر على استيعاب أهداف وزارته أو غايات المرحلة التى يمر بها، لذلك فإن العنصرين معًا لازمان لتشكيل الرؤية الصحيحة للوزير المسؤول، أقول ذلك بمناسبة كتاب صدر عام 2010 بعنوان (سعديون أم عدليون؟ وفاق وشقاق) وكاتبه هو الأستاذ عمرو سميح طلعت، وزير الاتصالات حاليًا، وابن وزير العدل الأسبق فى عصر السادات وحفيد عبدالوهاب باشا طلعت، رئيس الديوان الملكى فى عصر فاروق، وقد قرأت الكتاب أكثر من مرة بسبب وضوح أفكاره وسلاسة عباراته ودقة مراجعه، والذى يقرأه يظن أنه لكاتب مؤرخ تفرغ طوال حياته لدراسة تلك الحقبة واستمع إلى شخوصها وقرأ كافة المذكرات المرتبطة بقياداتها، خصوصًا أنه يطرق بابًا حساسًا من أبواب الحياة السياسية لمصر فى الفترة الليبرالية ما بين ثورتى 1919 و1952، بل هو يختار تلك المواجهة بين زعيمين وطنيين- وإن اختلفت فى أى منهما الآراء- هما سعد زغلول وعدلى يكن، أى بين الزعيم القادم من الريف المصرى والباشا الآخر المنحدر من أصل تركى رغم ما يجمع بينهما فى النهاية من الوقوف على أرض وطنية، فأنا بداية ضد عمليات التخوين والرمى بالباطل والمضى وراء الكاريزما التى تصنعها الجماهير فى صخب وضوضاء، وأنا أزعم أن كليهما مدرسة فى الوطنية قد تختلف فى الوسائل ولكنها تلتقى فى الغايات، ولذلك فإننى أفزع كثيرًا لعبارة يكررها الوفديون- رغم أننى أقرب انتماءً إليهم- حين قالوا (الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلى!) فهى عبارة ظالمة تقوم على عاطفة لحظية ولا تنطلق من منطق عقلى، وفى ظنى أن المدرسة الوطنية لأنور السادات بعد عدلى يكن بعشرات السنين هى تكرار لنفس القضية التى تقوم على قياسات انفعالية وليست بالضرورة آراء سياسية، وليس يعنى ذلك على الإطلاق إقلالًا من شأن زعيم الأمة سعد زغلول ومكانته فى التاريخ المصرى الحديث باعتباره قد أدرك أن مصر للمصريين وخرج بمفهوم النضال الوطنى من العمامة الدينية إلى العباءة الوطنية، إذ إن أحمد عرابى ومصطفى كامل قد طرحا شعاراتهما تحت مظلة السلطان العثمانى وبمباركة منه، وعندما سحب ذلك القابع على كرسى الخلافة فى الاستانة مباركته لحركة عرابى انفض مؤيدو زعيم الفلاحين فى الجيش المصرى من حوله، كما أن مصطفى كامل قد حظى بمباركة السلطنة العثمانية والتى منحته لقب باشا فى سن مبكرة، أما سعد زغلول فهو نبت الأرض الطيبة وبغض النظر عن بعض النزوات البسيطة التى كتب عنها فى مذكراته فى صراحة وشجاعة فإنه نموذج التف حوله المصريون كما لم يحدث من قبله، ولقد كنت أقف كثيرًا فى العصر الناصرى حيث الحلم القومى والمد العربى أمام عبارة فى الميثاق الوطنى تقول: (وركب سعد زغلول موجة الثورة...) وكنت ومازلت أرى فيها انتقاصًا لقدر الرجل وظلمًا له، إذ إن ثورة 1919 هى ثورة شعبية بالمفهوم الكامل للكلمة، نعود إلى عدلى باشا فأرفض تجريمه وأظن أنه صاحب رأى فكان يرد على مقولة لا مفاوضات إلا بعد الجلاء متسائلًا: عن أى شىء نتفاوض إذا كان تم ذلك الجلاء؟! والاثنان فى رحاب الله الزعيم سعد زغلول والسياسى الوطنى أيضًا عدلى يكن مهما اختلفت الآراء وتفاوتت المشاهد، ولذلك فإننى أهنئ الوزير السياسى والفنى عمرو سميح طلعت وزير الاتصالات كنموذج أسعد به كما سعدت من قبل بزميل دراستى الوزير الأسبق منير فخرى عبدالنور الذى قبل الوزارة بعد تردد فى حكومة أحمد شفيق وما بعدها، وهو يملك أيضًا خلفية سياسية كبيرة فهو حفيد فخرى بك عبدالنور رفيق سعد باشا زغلول وأيضًا لديه الخبرة الفنية والعلمية الراقية فى مجال الوزارات التى تولاها.. تحية لعودة مفهوم الوزير السياسى إلى جانب الخبرة الفنية لأن ذلك يفتح باب الرؤية ويوضح مسار المستقبل ويضعنا جميعًا أمام مصابيح الاستنارة لإعادة قراءة تاريخنا الوطنى، وسوف أعود إلى كتاب وزير الاتصالات المصرى عمرو سميح طلعت (سعديون أم عدليون؟ وفاق وشقاق) فى مناسبة قادمة.