عمار علي حسن
وإزاء الحقائق الست التى سبق ذكرها فى مقال الأمس، تتضاعف فى هذه الآونة ضرورة البحث عن سبل غير تقليدية وآليات مختلفة لمعالجة معضلة الإرهاب، خاصة فى الدول العربية والإسلامية وأيضاً على المستوى الدولى بحكم عالمية الظاهرة.
ولا بد من دراسة تسعى إلى البحث عن هذه السبل، دونما إغفال لأهمية البعد الأمنى، أو المطالبة بإلغائه، ولكن العمل على ترشيده، لأن طغيان هذا البعد فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب قاد حتى فى كبرى الديمقراطيات إلى تقليص مساحة الحريات المتاحة.
ومن جانب آخر، لا يمكن الادعاء بأن هذه السبل غير التقليدية تنطلق من تشريح معمق لأسباب تنامى الإرهاب والتطرف الدينى، كما أنها لا تغفل الأسباب التقليدية لانتشاره، وإنما تسعى إلى وضع قواعد وآليات حديثة لمكافحة الظاهرة وتطوير الوسائل الموجودة الآن، خاصة ما يتعلق منها بالتحديث والإصلاح والدمقرطة، ومواجهة التخلف الاقتصادى والظلم الاجتماعى القائم فى بعض المجتمعات، إضافة إلى تعميق الحوار بين الأديان والحضارات.
فى هذا السياق، هناك افتراضات عملية تجب دراستها من قبيل:
1- ثمة علاقة طردية بين غياب مظاهر التنمية السياسية والاقتصادية والبشرية فى دولة ما، وبين نزوع المجتمع فى هذه الدولة إلى التطرف الدينى واستخدام العنف.
2- إن استمرار العالم الإسلامى على ما هو عليه من خلافات مذهبية ودينية، وتعدد المرجعيات، وتغليب فكر المؤامرة لدى الشعوب الإسلامية يقود إلى انتشار موجات جديدة من العنف والتطرف.
3- اعتماد المجتمع الدولى على الحلول الأمنية لمواجهة الإرهاب، واتباع سياسات ظالمة تجاه قضايا العالم الإسلامى وتجاه الجاليات الإسلامية بالخارج يمثل عائقاً أمام مشروعات التطوير السياسى والفكرى فى العالم الإسلامى، وتقود إلى عدم انحسار مشكلة الإرهاب على المستوى الدولى.
ولا شك أن البحث عن وسائل غير تقليدية لمكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف الدينى إنما تنبع من حقيقة هذا التشابك المعقد بين الفكرى والدينى، وبين السياسى والأمنى، كما تتداخل المستويات التى يتم عبرها السعى لمكافحة هذه الظاهرة بين المحلى (على مستوى الدولة الواحدة) وبين مستوى أعلى هو العالمين العربى، والإسلامى، ثم ترتقى للمستوى الأوسع، وهو العالمى.
ورغم الإيمان بهذا القدر من التداخل والتعقيد لبحث الظاهرة ذاتها أو التطرق إلى تناول وسائل مستحدثة لمكافحتها، فإن تلك الدراسة تقوم على اعتماد ثلاثة محاور رئيسية يتم العمل من خلالها للوصول إلى صيغ ملائمة لمجابهة التطرف الدينى، وانحسار ظاهرة الإرهاب.
وفى مقال الغد، سنطرح أول هذه المحاور، إن شاء الله تعالى.
"نقلًا عن جريدة الوطن"