توقيت القاهرة المحلي 07:27:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل تصحو يا وطن؟

  مصر اليوم -

هل تصحو يا وطن

بقلم ـ مصطفي الفقي

إن ما مرت به «مصر» منذ عام 2011 حتى الآن- بكل ما فيه من معاناة وعذابات وصعوبات ومتاعب- هو مخاض لميلاد شعب جديد، فالأمم العظيمة تصنعها الآلام الكبيرة، وإذا كانت معاناة المصريين فى هذه المرحلة قد اشتدت فذلك لأنهم يواجهون الحقائق كما هى دون تجميل أو تسويف أو إرجاء، كما أن «مصر» قد صحَتْ من سباتها لتكتشف أنها قد أضاعت فرصًا كثيرة فى ماضيها القريب، ولم تتمكن من الإمساك بتلابيب التقدم الحقيقى، من خلال تعليم عصرى وبحث علمى مكثف، كان يمكن لهما أن يشدا قاطرة الوطن نحو آفاق يستحقها ومكانة تليق به وبتاريخه الحضارى وتراثه العريق، لقد طافت بذهنى أفكار كثيرة وعبرت أفق خيالى أحلام كبيرة وأنا أستمع إلى كلمة بابا الفاتيكان «فرنسيس»، وهو يتحدث فى احتفال رئاسة الجمهورية إلى صفوة من رجال الدين المسيحى والإسلامى والشخصيات العامة، وفى حضور الرئيس «السيسى»، الذى ألقى خطاباً متميزاً فى هذه المناسبة، وعندما دخل الإمام الأكبر- قبيل دخول الرئيس و«بابا الفاتيكان»- ضجت القاعة بالتصفيق الحاد وقوفًا احترامًا للشيخ الجليل، أستاذ الفلسفة الإسلامية، عَفّ اللسان، هادئ الطبع، والذى يسعى إلى تصويب الخطاب الدينى وتنقية الفقه الإسلامى من شوائب علقت به، والشيخ الصوفى يبذل فى ذلك جهدًا ضخمًا فى مواجهة معارضة متشددة فى كل اتجاه، وإعلام متجاوز بغير مبرر!

وليعلم هؤلاء وأولئك أن الهجوم على «الأزهر الشريف» وشيخه «الطيب» هو ضرب غير مباشر فى أعمدة الهوية المصرية، ومحاولة لتحطيم أحد العمد الرئيسة فى التكوين الثقافى والاجتماعى للشعب المصرى، فـ«الأزهر» و«الكنيسة» يمثلان معًا ركيزتين لهوية الوطن والتعبير عن شخصيته التاريخية وقواه الناعمة على مر العصور، وكذلك عندما بدأ «بابا الفاتيكان» يتحدث وهو يشير إلى استقبال مصر للاجئين عبر التاريخ بدءًا من اللاجئ الأول الطفل «يسوع» وأمه «العذراء مريم» و«يوسف النجار»، فى الرحلة المقدسة التى اخترقت «الدلتا» و«الوادى»، وباركت «مصر»، حتى ذكرها الكتاب المقدس (مبارك شعبى مصر)، وقد استطرد «البابا فرنسيس»، متحدثًا عن اختيار الرب لأرض «مصر» الطيبة ليخاطب «موسى الكليم» من «طور سيناء» حتى استقر الإسلام الحنيف على أرضها، حيث اختلط سكانها من كل الديانات فى سيمفونية رائعة تعزف للإنسان- وله وحده- فى كل زمان ومكان.

ولقد اقشعرّ بدنى و«البابا» المتفتح المستنير يشير إلى «مصر» بعبارة «أم الدنيا» ويكررها باقتناع وإيمان ووعى، ثم كانت الخاتمة مجاملة رائعة لمصر ورئيسها عندما أنهى خطابه بقوله: «تحيا مصر»، ولقد تابعت كلمات الإمام الأكبر فى المؤتمر الكبير، الذى أقامه «الأزهر الشريف» فى توقيت ذكى لكى يكون «بابا الفاتيكان» أحد حضوره وشهوده، ولقد نزلت كلمات الإمام الأكبر بردًا وسلامًا على الإنسانية المعذبة والجماعات المقهورة بفعل الاستبداد والفساد والإرهاب.

أما البابا «تواضروس الثانى» فأنا أظنه هدية الرب لشعب «مصر» فى هذه الظروف، ولا أدرى كيف كان يمكن أن يتصرف أى بديل له، فالرجل وطنى حتى النخاع، مسيحى مخلص «طوباوى» نقى، وهو حبر جليل تحمّل معاناة بغير حدود وآلاما قاسية وتفجيرات إرهابية للكنائس وذبحا للأقباط على يد مجرمى «داعش» فى «ليبيا»، بل مطاردة لهم فى «شمال سيناء»، ولكنه أدرك بحكمته أن المستهدف هو الوطن كله، مسلميه ومسيحييه، فطوفان الغدر لا يفرق بين مصرى وآخر، لأن الكنانة الصامدة هى غُصَّة فى حلق الكثيرين داخل المنطقة وخارجها، إنه البابا الذى قال عبارته الخالدة: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، لقد كان هذا الأسبوع رسالة بامتياز إلى الشعب المصرى لعله يستيقظ فى صحوة لا غفوة بعدها ليعمل فى جد، ويبتكر برؤية، ويشيد على أرضه دعائم راسخة لمستقبل أفضل، فإذا كانت «مصر» هى أرض الديانات والثقافات والحضارات فهى أيضًا أرض العبقرية الكامنة والذكاء الموروث والفطنة الطبيعية والفطرة السوية، فليمضِ التعليم العصرى والثقافة متعددة الأبعاد والبحث العلمى الواعد على طريق يواكب مسيرة التشييد والبناء فى الدلتا والوادى والصحراء، فالجندى المصرى الذى يقاتل الإرهاب على أرضه المقدسة فى «سيناء» إنما هو امتداد طبيعى لجندى «عين جالوت» و«حطين»، وابن مباشر لمَن أغرقوا المدمرة «إيلات» ومَن عبروا قناة السويس قتالًا فى «حرب التحرير» عام 1973. أيها السادة، ينبغى ألا ننسى تاريخنا، كما يجب ألا نتباكى على ما فاتنا، إذ لابد من حشد وطنى يبدأ من الطفولة إلى الشيخوخة، ويدفع بالشباب نحو الطريق الذى اخترناه رغم صعوبته ومرارته ومعاناته.. ألم أقل لك يا وطن يجب أن تصحو؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تصحو يا وطن هل تصحو يا وطن



GMT 00:03 2023 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الرحلة «المقيتة»

GMT 00:00 2023 الثلاثاء ,18 تموز / يوليو

«النسخة المضروبة» من الحياة

GMT 00:02 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

«الشعب العميق»

GMT 01:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

ذكريات ثورة 30 يونيو 2013

GMT 02:23 2023 الخميس ,18 أيار / مايو

قمم وهضاب: باشوات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon