توقيت القاهرة المحلي 19:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مئوية أبى

  مصر اليوم -

مئوية أبى

بقلم : مصطفى الفقي

صادف الثانى من أغسطس هذا العام عيد الميلاد المئوى لأبى، رحمه الله، الذى غادر عالمنا منذ أكثر من عشرين عامًا قبل أن يبلغ الثمانين بشهور قليلة، وأنا هنا لا أتحدث عن أمر شخصى، ولكننى أبحث فى أحوال الدنيا منذ مائة عام عندما استقبل أبى الحياة، حيث كانت الظروف الدولية والإقليمية مختلفة تمامًا، فلقد كان العالم يلفظ غبار الحرب الكونية الأولى ويتهيأ لمرحلة جديدة تقوم فيها منظمة عالمية واحدة برعاية السلم ومنع الحرب عندما استقر موقع عصبة الأمم فى مدينة جنيف السويسرية، وقد عرفت تلك السنة انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية قبل مائة عام بالتمام والكمال من انتشار وباء كورونا الذى لا يتركنا إلا ليعاود اقتحام حياتنا فى موجات جديدة، لذلك تشاءم الكثيرون من العام العشرينى فى كل مائة، وإن كنت لا أميل إلى مثل هذه الحسابات، إلا أن ما جرى فى الشهور الماضية من هذا العام يوحى بأن أبى قد وُلد فى ظروف أفضل.. صحيح كان هناك عشرات الملايين من ضحايا الحرب، وصحيح أن ألمانيا خسرتها فكانت بداية الشحن الشيفونى الذى اعتمد على سمو الجنس الآرى، بحيث تفجرت تحرشات الحرب العالمية الثانية بعد أقل من عشرين عامًا، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الجميع، وهى أن السلام القائم على منتصر ومهزوم هو سلام هش لا يدوم، وكانت مصر تحت حكم السلطان أحمد فؤاد تعيش أجواء ثورة عام 1919 وأصداءها الكبرى فى حياة الناس وطريقة تفكيرهم وأسلوب معيشتهم، كان الشعار هو الهلال مع الصليب راية خفاقة فى شوارع المدن، وكان سعد زغلول هو زعيم الثورة الذى ارتبطت به الجماهير، فهى ثورة بدأت من الشارع عام 1919 ولا نكاد نرى لها شبيهًا إلا ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013، إذ إن خروج الناس إلى الشارع هو فى ظنى التعبير المباشر عن شعبية الحشود وإيمانها بقضية وطنية محددة. لقد كان عام 1920 هو عام الصحوة المصرية بامتياز، إذ لم يمضِ بعدها إلا عامان وصدر تصريح 28 فبراير 1922 الذى يمنح الحكم الذاتى لمصر فى ظل استقلال منقوص تحيط به تحفظات أربعة، وفى ذلك الوقت كانت شعبية حزب الوفد فى قمتها، فلم تكن الانقسامات قد بدأت داخل الحزب، كذلك فإن أصداء الثورة كانت لاتزال تهز كيان البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وقتها تجاوب الفن من سيد درويش إلى محمود مختار، وتحركت النزعة الوطنية فى الاقتصاد بريادة طلعت حرب، وفتحت مصر المفوضيات فى عواصم العالم الكبرى، كذلك ازدهرت الأفكار المرتبطة بوحدة وادى النيل، ولم تكن الهوية العربية لمصر بذات الوضوح الذى تميزت به بعد يوليو 1952، لقد كانت مصر فى تلك الفترة واحدة من أجمل بلاد الدنيا وعاصمتها من أنظف مدن العالم، لأن عدد سكانها كاد يكون بمثابة الحجم الأمثل فى عدد السكان منسوبًا للمساحة الكلية والرقعة الزراعية، ولقد كان أبى، رحمه الله، يتحدث بحماس عن العصر الملكى ورموزه ويشرح لى الفارق بين عبارات صاحب المقام الرفيع أو دولة الرئيس أو صاحبى المعالى والعزة، وكان مغرمًا بالنحاس باشا، ذلك السياسى الوطنى نظيف القلب طاهر النفس الذى لم يحكم كثيرًا ولكنه تألق دائمًا من بداية المنفى مع زعيمه سعد باشا وصولًا إلى معاهدة 1936 مرورًا بالأحداث الجسام لبدايات الحرب العالمية الثانية والإنذار البريطانى فى 4 فبراير عام 1942 للملك فاروق وتشكيل النحاس باشا حكومة وطنية وفدية خالصة بعد اشتراطه سحب الإنذار المهين لمصر ملكًا وشعبًا، وقد تحمس أبى فى البداية لثورة عام 1952 وكان يخشى عليها من التراجع مثل (هوجة عرابى) كما كانوا يسمونها، وأحب نجيب، ثم تعلق بعبدالناصر، ثم عشق السادات، وظل مؤمنًا بأن قانون الإصلاح الزراعى لم يكن له مبرر وأنه كان يمكن الوصول إلى نتائجه بفرض الضرائب التصاعدية على الأطيان، واعتصرته نكسة يونيو عام 1967 وغياب أخى الضابط الذى عاد بعد انتهاء الحرب بأسابيع هاربًا من معسكر الأسرى هو وبعض رفاقه. لقد رحل أبى فى مايو 2000 بعد رحيل أمى بسنوات ثلاث وظل دائمًا مؤمنًا بالله والوطن ولم يتزعزع عن إيمانه أبدًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مئوية أبى مئوية أبى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon