توقيت القاهرة المحلي 04:45:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مئوية أبى

  مصر اليوم -

مئوية أبى

بقلم : مصطفى الفقي

صادف الثانى من أغسطس هذا العام عيد الميلاد المئوى لأبى، رحمه الله، الذى غادر عالمنا منذ أكثر من عشرين عامًا قبل أن يبلغ الثمانين بشهور قليلة، وأنا هنا لا أتحدث عن أمر شخصى، ولكننى أبحث فى أحوال الدنيا منذ مائة عام عندما استقبل أبى الحياة، حيث كانت الظروف الدولية والإقليمية مختلفة تمامًا، فلقد كان العالم يلفظ غبار الحرب الكونية الأولى ويتهيأ لمرحلة جديدة تقوم فيها منظمة عالمية واحدة برعاية السلم ومنع الحرب عندما استقر موقع عصبة الأمم فى مدينة جنيف السويسرية، وقد عرفت تلك السنة انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية قبل مائة عام بالتمام والكمال من انتشار وباء كورونا الذى لا يتركنا إلا ليعاود اقتحام حياتنا فى موجات جديدة، لذلك تشاءم الكثيرون من العام العشرينى فى كل مائة، وإن كنت لا أميل إلى مثل هذه الحسابات، إلا أن ما جرى فى الشهور الماضية من هذا العام يوحى بأن أبى قد وُلد فى ظروف أفضل.. صحيح كان هناك عشرات الملايين من ضحايا الحرب، وصحيح أن ألمانيا خسرتها فكانت بداية الشحن الشيفونى الذى اعتمد على سمو الجنس الآرى، بحيث تفجرت تحرشات الحرب العالمية الثانية بعد أقل من عشرين عامًا، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الجميع، وهى أن السلام القائم على منتصر ومهزوم هو سلام هش لا يدوم، وكانت مصر تحت حكم السلطان أحمد فؤاد تعيش أجواء ثورة عام 1919 وأصداءها الكبرى فى حياة الناس وطريقة تفكيرهم وأسلوب معيشتهم، كان الشعار هو الهلال مع الصليب راية خفاقة فى شوارع المدن، وكان سعد زغلول هو زعيم الثورة الذى ارتبطت به الجماهير، فهى ثورة بدأت من الشارع عام 1919 ولا نكاد نرى لها شبيهًا إلا ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013، إذ إن خروج الناس إلى الشارع هو فى ظنى التعبير المباشر عن شعبية الحشود وإيمانها بقضية وطنية محددة. لقد كان عام 1920 هو عام الصحوة المصرية بامتياز، إذ لم يمضِ بعدها إلا عامان وصدر تصريح 28 فبراير 1922 الذى يمنح الحكم الذاتى لمصر فى ظل استقلال منقوص تحيط به تحفظات أربعة، وفى ذلك الوقت كانت شعبية حزب الوفد فى قمتها، فلم تكن الانقسامات قد بدأت داخل الحزب، كذلك فإن أصداء الثورة كانت لاتزال تهز كيان البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وقتها تجاوب الفن من سيد درويش إلى محمود مختار، وتحركت النزعة الوطنية فى الاقتصاد بريادة طلعت حرب، وفتحت مصر المفوضيات فى عواصم العالم الكبرى، كذلك ازدهرت الأفكار المرتبطة بوحدة وادى النيل، ولم تكن الهوية العربية لمصر بذات الوضوح الذى تميزت به بعد يوليو 1952، لقد كانت مصر فى تلك الفترة واحدة من أجمل بلاد الدنيا وعاصمتها من أنظف مدن العالم، لأن عدد سكانها كاد يكون بمثابة الحجم الأمثل فى عدد السكان منسوبًا للمساحة الكلية والرقعة الزراعية، ولقد كان أبى، رحمه الله، يتحدث بحماس عن العصر الملكى ورموزه ويشرح لى الفارق بين عبارات صاحب المقام الرفيع أو دولة الرئيس أو صاحبى المعالى والعزة، وكان مغرمًا بالنحاس باشا، ذلك السياسى الوطنى نظيف القلب طاهر النفس الذى لم يحكم كثيرًا ولكنه تألق دائمًا من بداية المنفى مع زعيمه سعد باشا وصولًا إلى معاهدة 1936 مرورًا بالأحداث الجسام لبدايات الحرب العالمية الثانية والإنذار البريطانى فى 4 فبراير عام 1942 للملك فاروق وتشكيل النحاس باشا حكومة وطنية وفدية خالصة بعد اشتراطه سحب الإنذار المهين لمصر ملكًا وشعبًا، وقد تحمس أبى فى البداية لثورة عام 1952 وكان يخشى عليها من التراجع مثل (هوجة عرابى) كما كانوا يسمونها، وأحب نجيب، ثم تعلق بعبدالناصر، ثم عشق السادات، وظل مؤمنًا بأن قانون الإصلاح الزراعى لم يكن له مبرر وأنه كان يمكن الوصول إلى نتائجه بفرض الضرائب التصاعدية على الأطيان، واعتصرته نكسة يونيو عام 1967 وغياب أخى الضابط الذى عاد بعد انتهاء الحرب بأسابيع هاربًا من معسكر الأسرى هو وبعض رفاقه. لقد رحل أبى فى مايو 2000 بعد رحيل أمى بسنوات ثلاث وظل دائمًا مؤمنًا بالله والوطن ولم يتزعزع عن إيمانه أبدًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مئوية أبى مئوية أبى



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon