عمار علي حسن
بح صوت كثيرين وهم يقولون: لا بد للمعارضة المصرية من أن تنتقل من «الهجوم السلبى» الذى يكتفى بإحصاء إخفاقات الإخوان وعثراتهم ونقدها إلى «الهجوم الإيجابى» الذى يعنى طرح البديل الحقيقى والمقنع والشامل للشعب المصرى، الذى يقف الآن على بُعد ساعات من 25 يناير الثالثة.
فى الحقيقة لا توجد أمة حية متمكنة إلا وتمتلك بدائل عدة فى التفكير والتدبير، تجربها كيفما أرادت، وحسب مقتضيات الحاجة، فإن أخفق أحدها، تذهب مباشرة إلى غيره، ساعية ما أمكنها للترقى فى المعاش، متنقلة من حسن إلى أحسن، من دون توقف ولا تردد، وسائرة دوماً إلى الأمام فى خط مستقيم، متلمسة سُنة الحياة السليمة والصحيحة، التى تقول إن الغد يجب أن يكون أفضل من اليوم، وأن الجيل القادم من الضرورى أن يكون أوعى وأسعد من الجيل الحالى، وأن هذا يسلم ذاك الراية فى رضا واطمئنان، وإخلاص واضح وجلىّ للوطن. ومثل هذه الأمة لا تترك طرفاً بعينه يحتكر تقديم البدائل، بل تعطى الفرصة للجميع للمشاركة فى صنعها، مهما كان موقعهم من السلطة، أو موقفهم منها، فالكل شركاء فى الوطن والمسار والمصير، والمستقبل لن تكون مغارمه على طرف دون آخر، ولا يجب أن تصبح مغانمه لصالح جهة على حساب البقية.
أما الأمم المريضة أو الهشة، التى تقف على أبواب الفشل وربما الموت المؤقت، فتفتقد إلى إنتاج البدائل، حيث لا تصنع غير الحزب الواحد والرجل الأوحد، ولا تزرع غير الأفكار والرؤى النمطية التى عفا عليها الدهر، وتسمى الركود استقراراً، وقلة الحيلة حكمة، والتمسك بمن شاخ وأفلس خبرة. وهذا الصنف من الأمم لا يمتلك غير مسار واحد، ولذا ترممه حتى لو تعمق الشرخ وصار عصياً على الترميم، وترتقه حتى لو اتسع الخرق على الراتق، وتضيع سنوات عديدة هباء فى سبيل الاحتفاظ بهذا المسار المتداعى، لأنها لا تعرف غيره، ولا تألف سواه. وترتضى أن تمضى الحياة يوماً بيوم، فلا أفق ولا أمل، ولا خطة ولا تصور للمستقبل المنظور أو البعيد، مع أن العالم غنى بالخيارات والبدائل والمسارات، لا سيما فى أوقات الراحة والسلم، والتركيز على التنمية والرفاه والرخاء.
ومن أسف، فإن مصر تعيش هذه الحال المريضة، فلا تمضى إلا فى طريق واحدة، هى تلك التى حددتها السلطات. ومن أجل هذا الخيار الذى لم يختبر أحد مدى صوابه أو ملاءمته لواقعنا، تحشد كل الطاقات وتعمل أغلب العقول والنفوس فى اتجاه واحد. وهنا تتحول خطب الرئيس وقول النافذين فى جماعته إلى برامج عمل، وتوجيهاتهم إلى قوانين، وتعليقاتهم غير المدروسة إلى خطط، وإيماءاتهم إلى قرارات، تجد طريقها سريعاً إلى التنفيذ، بغير فحص ولا درس. وبذا تحول الوزراء إلى مجرد موظفين مطيعين، يجلسون فى انتظار تعليمات الرئاسة ومكتب الإرشاد لينفذوها، أو يبادرون بالتصرف حسب ما يرضى رؤوس السلطة، بغض النظر عن مدى احتياجات الواقع لهذا، أو حاجة الناس إلى ذلك.
نقلاً عن جريدة "الوطن"