توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صاحب القرارين

  مصر اليوم -

صاحب القرارين

بقلم : مصطفى الفقي

سوف يبقى اسم محمد أنور السادات مثارًا للجدل بين المؤرخين ومبعث اعتزاز لدى معظم السياسيين؛ لأن الرجل لم يكن حاكمًا تقليديًا بل كان صاحب قرارات مفاجئة ومواقف فريدة جعلت منه دائمًا مادة للحوار وانقسم الناس فى أمره، بعضهم يراه نموذجًا للحاكم الذى انتشل بلاده من مستنقع الهزيمة، والبعض الآخر يراه هو الحاكم الذى غير المسار وجعل المنطقة العربية تتحدث عنه سلبًا لسنوات طويلة دون دراسة واعية أو فهم صحيح، ونحن إذ نطلق عليه لقب صاحب القرارين فذلك لأنه هو الذى اتخذ قرار الحرب، وهو الذى اتخذ قرار السلام، وأنور السادات فى تاريخنا شخصية أسطورية تمتزج فيها الصلابة بالمرونة والذكاء بالبساطة حتى إننا نعتبره رجل الدولة الثانى بعد محمد على الكبير، فكلاهما كان عارفًا بالمتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية وقادرًا على اللعب على الحبال المشدودة فى السياسة الدولية، ويكفى أن نتأمل أوجه التشابه بينه وبين مؤسس الأسرة العلوية فلقد حاز كل منهما السلطة ووصل إلى حكم البلاد بحركة سريعة وحدث مفاجئ، لقد قفز محمد على إلى مقعد السلطة عندما دانت له البلاد بعد مذبحة المماليك عام 1811، والأمر ذاته بالنسبة لأنور السادات، حيث تأكدت شرعيته بعد ثورة التصحيح فى مايو 1971، وإذا كنا نقارن أحيانًا بين عبدالناصر ومحمد على من حيث الخروج إلى المحيط الإقليمى والاشتباك مع القوى المختلفة فى المنطقة إلا أن أوجه التشابه بين محمد على وأنور السادات تبدو هى الأخرى لافتة للنظر ومثيرة للانتباه، وإذا كان محمد على وعبدالناصر يقتربان فى درجة من العلمانية المنسوبة لعصرهما فإن محمد على والسادات يلتقيان أيضًا فى المهارة عند اللعب بأوراق المشكلات والأزمات مع التميز فى إدارة الصراعات، إن أنور السادات عندما أذاع بيان ثورة يوليو 1952 كان الكثيرون يعرفونه ويسمعون عنه من قبل فهو المغامر مع عزيز باشا المصرى، وهو المتآمر فى اغتيال أمين عثمان، وهو الذى كان يساعد النازى لا حبًا فيه ولكن كراهية فى الإنجليز حتى إنه أصلح جهاز التشفير فى العوامة التى كانت تقطنها الراقصة حكمت فهمى، كما مر على كل القوى السياسية فى البلاد وكان بحق رجل السياسة الذى تمرس فى الشارع وتقلب فى الوظائف الصعبة حتى أوصل منشورات الضباط الأحرار إلى مكتب الملك عن طريق الوصيفة ناهد زوجة الطبيب البحرى صديقه يوسف رشاد، كما أنه انضم لتنظيمين سريين متعارضين فى وقت واحد فقد كان وفيًا لتنظيم الضباط الأحرار ومتواصلًا فى الوقت ذاته مع ضباط الحرس الحديدى فهو بحق رجل الدولة المغامر الذى لا نكاد نجد له نظيرًا فى تاريخنا الحديث، إنه أنور السادات الذى تحمل السخرية منه والتنكيت عليه وهو يرجئ قرار الحرب متظاهرًا بالاستكانة بينما هو يعد للحرب العربية المنتصرة الوحيدة فى تاريخنا الحديث، وعندما انطلقت طلائع قواته الجوية وامتلأت القناة بالمعابر وانتقلت القوات المسلحة المصرية إلى الضفة الشرقية للقناة فإن ذلك كان إيذانًا بأن صاحب القرارين قد مضى على الطريق الذى رآه وآمن به، ويومها قلنا: لقد ظلمناك يا أعمق الخبثاء وأسأنا الظن بك يا أدهى الحكماء، وهو أيضًا أنور السادات ذلك الزعيم الجسور الذى اقتحم على الخصم معاقله مرة أخرى بهجمة السلام وزيارته للقدس عام 1977 وهو بذلك صانع الحدثين الكبيرين بنتائجهما الضخمة وآثارهما الهائلة حتى وقع اتفاقية السلام مع إسرائيل فى 26 مارس 1979، وقد ظل الرجل وفيًا لثوابت القضية الفلسطينية لم يبع ولم يقايض ولم يتنازل عن حق فلسطينى ولكنه استرد ترابه الوطنى وأعاد سيناء إلى حضن الوطن المصرى، لذلك فنحن نذكره اليوم حاكمًا شجاعًا، وزعيمًا ملهمًا، ورجل دولة شارك فى صناعة التاريخ وفى تغيير الجغرافيا.

إن صاحب القرارين سوف يظل فى ضمير أمته قبسًا من إلهام الزعامة ووضوح الرؤية محاطًا بالإجلال والتقدير كلما مضت السنين أو توالت الأيام، فإذا كان عبدالناصر هو بطل قومى يبدو خارج المنافسة بسبب الكاريزما الكاسحة والمرحلة الحرجة فإن أنور السادات يستحق على الجانب الآخر أن يكون رائد مدرسة الواقعية فى الحياة السياسية وأن يرتبط فى أذهان الأجيال القادمة بأنه صاحب القرارين اللذين غيرا وجه المنطقة وجعلا الحرية والنهضة هدفين لكل من يسعى للبناء ويمهد الطريق أمام الأجيال الصاعدة.. رحمه الله بقدر ما قدم لأمته المصرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صاحب القرارين صاحب القرارين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 09:19 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

تأجيل انتخابات «الصحفيين» إلى 2 أبريل المقبل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon