بقلم : مصطفى الفقي
إننى أطالب بالكف عن استخدام تعبير (سد النهضة) الذى اخترعته إثيوبيا فى محاولة كيدية تستجدى بها الرأى العام العالمى وتستدرد عطف المواقف الدولية على حساب الحقوق التاريخية فى المياه لباقى دول نهر النيل، فكلمة سد النهضة تثير التعاطف مع دولة فقيرة هى إثيوبيا تسعى لبناء نهضتها المزعومة وتشييد دعائم مستقبلها على حساب حقوق غيرها وكأنما تحاول مصر الدولة الأغنى والأقوى والأعرق فى شمال القارة أن تحرمها من هذا الحق وتحارب نهضتها برفضها لتداعيات السد الإثيوبى.
إن مصر عندما بنت السد العالى لم تطلق عليه اسم سد التنمية أو سد التحرر أو حتى سد المستقبل ولكنها اكتفت بالاسم الوصفى للبناء فاعتبرته (السد العالى)، ولذلك فإنه من العبث أن نردد وراء الإثيوبيين نحن وكل المؤيدين للموقف المصرى العادل المستند إلى قانون الأنهار المعتمد بين الدول والشرعية الدولية بكل أبعادها وندعو إلى الابتعاد عن التسمية الخادعة التى روجت لها الدولة الإثيوبية هى ومن وراءها فى خبث ودهاء، فهى تسعى أمام الدول الإفريقية الأخرى إلى تقديم مصر بأنها ترفض التنمية لهم والتقدم لبلادهم من خلال موقفها المختلف مع النموذج الإثيوبى وهى بذلك تستجدى دول القارة السمراء ضد الشقيقة التى دعمت حركات التحرر الوطنى فى القارة وساهمت بقوة فى مشروعات التنمية بين دولها بل وقدمت مما لديها من إمكانات كل سبل الدعم للدول الإفريقية عند الحاجة، ويكفى أن نتذكر أن فى وزارة الخارجية المصرية وكالة لتنمية إفريقيا توفد ما يقرب من ثلاثمائة خبير سنويًا فى الصحة والتعليم والهندسة والرى والزراعة وتربية الحيوان إلى الدول الإفريقية الشقيقة على أن تدفع مصر نفقاتهم بالكامل تعبيرًا عن حماسها للنهضة الإفريقية التى تزعم إثيوبيا كذبًا أن مصر لا تتحمس لها، فأديس أبابا تحاول دق إسفين بين مصر ودول القارة حتى إذا آل أمر بحث الأزمة إلى الاتحاد الإفريقى كان الجو مهيأً لعداء مصر وابتلاع الطعم الذى روجت له الحكومة الإثيوبية، كما أن نفس الحجة قد دفعت الإثيوبيين إلى البراعة فى استخدامها أمام الدول الأوروبية باعتبارها محاولة مصرية لأخذ كل شىء، الدور الإقليمى والريادة الإفريقية والتنمية الاقتصادية والنهضة التى تستنكرها على غيرها، وللأسف فإن بعض الدول قد صدقت هذه الدعاية سواء بين دول إسكندنافيا أو غرب أوروبا عمومًا أو دول أخرى فى شرق آسيا بدءًا من الهند والصين واليابان وكأن القضية هى محاولة حرمان إثيوبيا من حق التنمية وبناء دعائم النهضة، بينما الأمر يختلف عن ذلك تمامًا، وقد وجد الإثيوبيون من يدعمهم بما فى ذلك دولة عربية شقيقة تسعى إلى التنفيس عن حقد حكامها على مصر والعبث بمياه النهر الوافد إليها منذ آلاف السنين، وفوق ذلك كله فإن استجداء إثيوبيا للمنظمات الدولية من خلال مسالك ودروب أسهمت فيها الدولة العبرية إسرائيل قد أدت كلها إلى ظهور حملة إعلامية ضد مصر، وقد حاولت بعض الدول العربية دعم الموقف المصرى، ولكن ذلك لم يعد كافيًا الآن من خلال الإعلانات والقرارات، بل هو يحتاج إلى مواقف وتدابير تشعر بها الحكومة الإثيوبية حتى تعود إلى سلوك الاعتدال وتمضى فى جادة الصواب، وقد حاول الإثيوبيون دائمًا ولايزالون العبث بالعلاقة الأزلية بين الدولتين اللتين تمثلان الطرف الآخر فى أزمة سد النهضة بالإساءة إلى العلاقات بين مصر والسودان ومحاولة الانفراد بالأخيرة وتحريضها على الموقف المصرى بالوعود الخادعة أحيانًا وبالأكاذيب المكشوفة أحيانًا أخرى، لذلك فإننى أظن عن يقين أنه قد حان الوقت لحملة إعلامية عالمية تدعو الجميع إلى الفهم الحقيقى لتفاصيل الموقف المصرى وصبره لعقد كامل من المفاوضات، بينما إثيوبيا تواصل بناء سدها الكيدى الذى زعمت فى البداية أنه لتوليد الكهرباء ثم اعترفت فى النهاية بأنه لحجز الماء، وحسنًا فعل الرئيس السيسى عندما قام بتدويل الأزمة وطرحها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها عام 2019 لكى يكشف للجميع المماطلات الإثيوبية، والألاعيب الدولية، والتحالفات المشبوهة التى تريد أن تستحوذ على حقوق الآخرين وتحرمهم من المياه وكأنما تحرمهم من الحياة.
إنه سد إثيوبى ظالم وليس سدًا لنهضة حقيقية!