بقلم : مصطفى الفقي
الدكتور محمد العصار، وزير الدولة للإنتاج الحربى، الذى حمل رتبة فريق بقرار كريم من الرئيس عبدالفتاح السيسى مقترنًا بمنحه وشاح النيل تكريمًا لتاريخه الوطنى فى خدمة القوات المسلحة لما يقرب من نصف قرن، وأنا أكتب عنه الآن وهو يمر بمحنة مرض أسأل الله تعالى أن يتعافى منها فى أقرب وقت لأنه زميل دراسة وصديق عمر، فقد كنا فى فصل واحد بمدرستى دمنهور الإعدادية والثانوية، وكان محمد العصار دائمًا هو ذلك الهادئ، المحترم، الرصين، العاقل، المجتهد فى دروسه، المحبوب من أصدقائه، وقد ظل دائمًا يداعبنى باعتبارى أول الفصل وأول المدرسة فى سنوات نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضى، وعندما حصلنا على الثانوية العامة عام 1962 اختار كل واحد منا كلية من الكليتين الجديدتين اللتين أُنشئتا بقرار من الرئيس الراحل عبدالناصر، وهما الكلية الفنية العسكرية، التى التحق بها محمد العصار، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، التى التحقت بها فى نفس العام، ولم تنقطع بيننا حبال الود، حيث كان زميلنا الثالث الأستاذ عادل أبوالنصر، الخبير الاقتصادى.
هو واسطة العقد فى اللقاءات المستمرة والعلاقات الوثيقة التى كان يشاركنا فيها زميلنا العزيز الدكتور عبدالمجيد محمود، النائب العام الأسبق، وكوكبة من خيرة رجال مصر فى تسعينيات القرن الماضى، ولقد مضى الدكتور محمد العصار فى دراسته بالكلية الوليدة وتخرج فيها، ثم حصل على درجة الدكتوراه منها، وظل يتدرج فى المواقع المختلفة بالقوات المسلحة المصرية، وكان محل ثقة وزيرى الدفاع المشير طنطاوى ثم المشير السيسى، ولقد استمرت علاقتنا عبر السنين ولم تتوقف، خصوصًا أنه وفىّ بطبعه ودود بفطرته، فهو سليل عائلة عريقة، كما أننى أحمل له تقديرًا خاصًا لأنه إنسان يتميز بالرقى الأخلاقى، كما أنه كتوم متحفظ، يبدو مخلصًا فى عمله حتى النخاع، خصوصًا أنه كان يتعامل مع ملف بالغ الحساسية فى القوات المسلحة، كما كان واحدًا من أكبر خبراء العسكرية المصرية فى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما جرت أحداث 25 يناير 2011 ظهر على مسرح الأحداث باعتباره عضوًا فى المجلس العسكرى، ورآه المصريون فى اللقاءات التليفزيونية والاجتماعات الحزبية والمشاورات المختلفة فى تلك الفترة الصعبة الحافلة بالمواجهات الساخنة والاعتصامات اليومية والاحتجاجات التى لا تتوقف، وكثيرًا ما حضرت شخصيًا لقاءات مع بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولاحظت أن زميلى العصار شديد القرب من المشير السيسى ومحل ثقته، وكنا نسمع من العصار حديثًا مسهبًا عن تاريخ وزير الدفاع الجديد ونزاهته وأمانته ودراسته فى الولايات المتحدة الأمريكية،.
والمقولة الشهيرة للمشير طنطاوى أنه لم يطلب مرة واحدة الضابط الكبير عبدالفتاح السيسى إلا ووجده يقوم بواحدة من ثلاث، إما أنه يمارس عمله فى مكتبه أو يؤدى فرض الله أو يمارس الرياضة البدنية المعتادة، وقد تميز الدكتور العصار بفهم المتغيرات السياسية داخليًا وخارجيًا مع إلمام دقيق بالمشروعات الكبرى التى بدأت فى مصر خلال السنوات الأخيرة، وفى سنة حكم الإخوان انتشرت الشائعات وازدادت الهواجس عن اتفاق محتمل بينهم وبين بعض المتطرفين من حركة حماس الفلسطينية على حساب أرض مصرية فى سيناء، ونقلت قلقى إلى صديقى الدكتور العصار الذى حدد لى موعدًا عاجلًا مع المشير السيسى، وزير الدفاع، بحضور الدكتور العصار أيضًا، وقد قال وزير الدفاع المصرى يومها بلهجة قاطعة: (إننا نعلم كل شىء ونتابع كل صغيرة وكبيرة، ولكننا ندرك أن عصر الانقلابات العسكرية قد ولى وانتهى، ونحترم الشرعية المستمدة من الشعب ذاته، وإذا تلقت القوات المسلحة أمرًا شعبيًا كاسحًا فسوف نلبى الأمر بلا تردد لأننا أبناء الشعب ومنه وإليه).
وقد صدق وزير الدفاع بعد ذلك بشهور قليلة عندما احتشدت الملايين فى 30 يونيو 2013 فكان إعلان 3 يوليو بعدها بأيام قليلة، ولعل أهم ما يميز الدكتور العصار هو تواضعه الشديد وإمكانية الوصول إليه بسهولة لا من أصدقائه وحدهم ولكن من أى مواطن يسعى إليه، ولذلك احتفظ بدائرة علاقات واسعة بكافة الأطراف فى العملية السياسية مع ولاء كامل للوطن، وإيمان بشرف الخدمة العسكرية، واحترام لقائده الذى أحبه وارتبط به.. تحية لصديق العمر الذى أدعو له، ومعى كل المصريين بل وكل من عرفه، بالشفاء العاجل والصحة الدائمة لكى يواصل الفريق محمد العصار خدماته لوطنه ووشاح النيل يرصع صدره الذى اتسع لحب بلده وعشق ترابها وارتبط دائمًا بها.