عمار علي حسن
يمكن أن ينشأ حوار دينى مستنير ومدنى، وفى الوقت ذاته يمكن مواجهة المتطرف والجامد والمتشدد من التنظيمات والجماعات والتجمعات السياسية التى تتخذ من الإسلام أيديولوجية لها أو ترفع منه شعارا سياسيا تدغدغ به مشاعر البسطاء.
وهنا سبعة محاور أساسية تشكل فى مجموعها خطة أو برنامج عمل متكاملا فى هذا الخصوص. وهذه المحاور ليست مجرد أفكار نظرية بل تنطوى على أمور تم تجريبها وفق دراسات ميدانية، وثبتت فائدتها ونجاعتها فى تحقيق الهدف المرجو منها.
ولا يقصد من طرح هذا التصور إقصاء أى فصيل إسلامى، إنما الهدف هو ترشيد أفكار الجميع عبر تعزيز الحوار بين القوى الدينية والمدنية من جهة، وحث القوى السياسية المتخذة من الإسلام أيديولوجية لها على الإيمان بالوطنية، فكرا ومسلكا؛ إذ إنها ليست واضحة فى بعض تصوراتها وتصرفاتها، ونشعر أحيانا أن هناك من يقدم مصلحة الفصيل على مصلحة الوطن، وصالح الجماعة على صالح المجتمع.
ويمكن ذكر هذه المحاور السبعة على النحو التالى:
أولاً: مؤسسات ثقافية بديلة:
ثبت بالبرهان القاطع من التجربتين المصرية والتونسية أن الأفكار لا تواجَه إلا بالأفكار، وأن سياسة التضييق والقمع والمعاملة الأمنية المباشرة لا تجدى؛ فالأمن له روافد ومظاهر وأساليب عديدة آخرها الاعتقال والإقصاء. والأفكار مهما كانت متهافتة أو مزيفة ومغلوطة لها أجنحة ولا يستطيع أحد أن يسيطر عليها، لا سيما فى ظل «ثورة الاتصالات الحديثة» و«الإعلام الجديد» الذى جعل كل مواطن يلعب دور الإعلامى الذى ينقل الخبر والصورة والفكرة من أى مكان وأى زمان وإلى أى مكان وفى اللحظة ذاتها.
وتحتاج الأفكار حتى ترسخ وتمشى على الأرض ويعتنقها الناس إلى مؤسسات أو هيئات أو تنظيمات تحملها. وهذا هو سر بقاء جماعة الإخوان المسلمين واستمرارها وتمددها؛ فالقمع الذى مورس ضد الإخوان جعلهم يظهرون فى نظر الناس فى ثلاث صور إيجابية استفادوا منها، فهم إما «ضحايا» أو «مناضلون» أو «شهداء» وكلها حالات إيجابية جلبت لهم التعاطف، للأسف الشديد.
وهنا أقترح الآتى:
1- بناء مجمعات صغيرة للثقافة، أو تعزيز نشاط الموجود منها، وتكون هذه المجمعات وسط الأماكن السكنية، حتى يجد الشباب سهولة ويسراً فى الوصول إليها والتعامل معها واعتياد الذهاب إليها، على أن تقوم المدارس والجامعات بلفت انتباه التلاميذ والطلاب إليها، ووضع برنامج للتعاون معها.
2- يمكن تطبيق تجربة «مسرح الجرن»؛ فقد تم تجريبها لمواجهة الفكر المتطرف، وهى عبارة عن مشروع يهدف إلى تنشيط الفنون والآداب والفلكلور فى المدارس الابتدائية والإعدادية، ويتم من خلال التعاون بين وزارتى الثقافة والتعليم؛ فحين طُبق المشروع على مدارس قرى معروفة بتركز وجود الجماعات الإسلامية المتطرفة فيها لاقت نجاحا مبهرا، رغم أنه وجد مقاومة فى البداية من قِبل التلاميذ والطلاب، بدعوى أن كل الفنون حرام، ومع الوقت بات هؤلاء يرسمون ويعزفون موسيقى ويكتبون شعرا وقصصا ومقالات ويمثلون مسرحيات ويرقصون رقصا شعبيا فى إقبال شديد.
3- يجب أيضا الاهتمام بالمنتج الثقافى للأطفال؛ فبعض أعضاء الجماعات الدينية المتطرفة اعتمدوا على هذا الأسلوب فى جذب الأطفال إليهم وتمهيدهم للدخول فى الجماعة، أو قبول أفكارها والتعاطف معها، ولهم دُور نشر معروفة. ومواجهتهم يجب أن تتم فى هذا الإطار وعند هذه السن المبكرة. ولا تكفى فى هذا المضمار المجلات الثقافية كـ«ماجد» بل يجب تشجيع الأدباء الذين يكتبون للأطفال وإقامة دور النشر التى تنشر أعمالهم بأسعار مناسبة.
4- يجب تشجيع منتجى الفنون والآداب فى المجتمع وتقديمهم باعتبارهم أشخاصاً جديرين بالاحتفاء وأن ما يكتبونه هو عمود أساسى ليس فى مواجهة التطرف والغلو والتشدد الدينى بل فى تعزيز «القوة الناعمة» للدولة.
فى كل الأحوال لا يجب التعامل مع الثقافة كقلائد للزينة، إنما هى وسيلة لبناء الإنسان وتشكيل معارفه وقيمه واتجاهاته، ومن ثم النهضة بالمجتمع.
(نكمل غداً إن شاء الله تعالى).
نقلاً عن جريدة "الوطن "