توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيرة ذاتية لجمل (2)

  مصر اليوم -

سيرة ذاتية لجمل 2

عمار علي حسن

قبل أن أن يدخلا إلى ميدان التحرير كان الجمل والناقة يعرفان جيداً موضع خطواتهما؛ الصحارى الواسعة ودرب الأربعين، وهنا حول الأهرامات التى يلمحانها بأطراف عيونهما فى الغدو والرواح. أما هذه المرة فوجدا نفسيهما يسيران وسط جمال وخيول فى دروب لم يألفاها من قبل. وكان لا بد للغلامين اللذين يركبانهما أن يطلقا غناء فى أذنى الجمل وناقته حتى يسيرا بلا تململ فى طريق غريب عليهما، هكذا أوصى صاحب الجمل الرجل الذى اشتراهما، فنقل الوصية إلى المشترى الجديد. نظر الغلام حوله متصفحاً واجهات الشرفات والنوافذ، ثم هبط بعينيه على اللافتات الملونة للمحلات، لكنه نسى كل هذا ورفع عقيرته بالغناء: «البين جاب لى طبيخ حنضل وقال لى كُل كُل واشبع وفرّق على الغلابة الكل من بعد ما كنت فى لمة وزاين الكل صبحت غلبان ومسكين ومستحمل كلام الكل» لكن الموال ضاع وسط شحير السيارات وصفيرها حين تمرق من جانب قافلة الجمال غير عابئة بشىء، وكذلك صوت الهتافات التى تقذفها أجهزة التلفاز فى الغرف، وتنسكب من النوافذ على رؤوس المارة. ها هو شارع الهرم يتهادى تحت أقدام لا تعرف إلى أين المسير؟ وها هو شارع الجامعة، وقبتها النحاسية المستديرة الراسخة تملأ عيون الجمال فترفع إليها الهامات. وها هو شارع مراد، وكوبرى السادس من أكتوبر، ثم ميدان عبدالمنعم رياض، الذى يصب عند المتحف المصرى فى ميدان التحرير. ربما لم يتوقف الجمل وناقته وزملاؤه كثيراً عند هذا المتحف، الذى يحوى آثاراً تنتمى إلى زمن الأهرامات التى يدورون هناك حولها طيلة النهار، فهذا القطيع الذى يخور ويصهل لا يعرف قطعاً أن هذا المبنى ذا اللون الطوبى، المتراوح بين البنى والبرتقالى، به ما يأتى بالناس من آخر الدنيا ليركبوا ظهورها هناك حول تلك المثلثات الحجرية المضلعة العالية العتيقة المبهرة. أخذ يتقدم، والناقة إلى جواره، ثم بدأ يشعر بضربات متلاحقة من الغلام الذى يمتطيه. لماذا يضربه بهذه القسوة؟ لم يدر. لكن فجأة امتلأت عيناه بالأجساد الهائلة، أو التى يراها هو هكذا، تهيّب وتباطأت خطواته، فعاد الضرب المتلاحق فى سرعة جنونية يلهب عنقه من جديد، ووصلت إلى أذنه الفرقعات التى تنزل على رقبة صاحبته، فأخذ يعدو فى مساحات تتسع وتضيق. شعر أن هناك أيدى تلامسه بقسوة عن اليمين واليسار، فتوقف مصدوداً بغابة اللحم المتحمسة، والتحمت به أجساد من الجانبين، ورأى أصحابها يشبون ثم يسحبون فى قسوة الغلام الراكب فوقه، فيتخفف ظهره، ثم التفت فلم يجد صاحبته. غابت فى الزحام. إلى أين؟ لا يعرف. أما هو فعرف جيداً أين يكون؟ هنا مكان فسيح يزدحم فى بعض جوانبه بشر متعبون، يتفصد العرق من جباههم رغم برودة الجو وتتساقط من رؤوس بعضهم ووجوههم قطرات دم، بعضها صنع لنفسه دروباً متعددة الأشكال على خدودهم، وفوق ملابسهم. فى أيديهم أحجار، وفى عيونهم جرأة وحماسة. كان موقفاً جديداً عليه، لكنه لم يعنه شىء سوى أن يستريح قليلاً بعد أن هدّه المشوار الطويل، ولسعات الضربات المتلاحقة لعصا الغلام. أخذوه وربطوه فى الحاجز الحديدى الذى يفصل بين ميدان التحرير ومدخل شارع طلعت حرب، وتركوه يخور فى بطء وهدوء، لا يتماشى أبداً مع الصخب، والكر والفر الذى يشهده الميدان. (نكمل غداً إن شاء الله تعالى) نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيرة ذاتية لجمل 2 سيرة ذاتية لجمل 2



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon