عمار علي حسن
فى ظل البديل الواحد تصبح القوى السياسية والاجتماعية المختلفة مع النظام الحاكم مجرد حواشٍ باهتة على متن غليظ، ومجرد كائنات رخوة لا تصلب ظهرها فى وجه السلطة، أو كائنات ضعيفة تعيش على الفتات المتاح، وعلى البقايا التى تتركها النظم أو تنحسر عنها أرديتها الثقيلة، التى تغطى كل المجالات العامة، وبذلك تصبح عاجزة عن أن تطرح نفسها بديلاً للنظام، أو تشكل «نظام ظل»، وتصير مغلولة اليد عن إنتاج تصور مختلف، يسعى إلى حشد مناصرين له، ومنافحين عنه، فتأتى ثمار أى كفاح أو نضال من أجل تحسين شروط الحياة، هزيلة وضئيلة وعطنة، أو تكون حصاد الهشيم.
وفى ظل البديل الواحد تختار السلطة الإطار الذى يحكم التصرفات والتحركات والقرارات فى الداخل والخارج، فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، ويكون على مؤسسات الدولة أن تخضع لهذا الإطار، ويفكر قطاع كبير من الجماعة العلمية والبحثية فى الوسائل التى تخدمه، إما بحثاً عن رضا الحاكم، أو لتجنب آثار غضبه، أو رضوخاً للأمر الواقع، ويأساً من إصلاحه. وحتى القلة التى تحتفظ باستقلاليتها وتحاول أن تبدع بدائل أخرى، لا يجد إبداعها أى صدى، ولا يحظى بأى اهتمام أو رعاية، ولذا تبقى الأفكار البديلة حبيسة الأدمغة والأدراج، وكثير منها يموت فى صمت مطبق.
ومع البديل الواحد تفتقد بلادنا إلى إدارة ناجعة متجددة قادرة على تجنب الكوارث، وإدارة الأزمات، وقبل كل هذا النهوض بالأمة، ودفعها إلى الإمام دفعاً، لتأخذ موقعها اللائق فى طابور الأمم. ومع البديل الواحد تتجمد حياتنا وتتوقف، أو تسير سير البطة العرجاء، بينما تسرع البلدان الغنية بالبدائل خطاها، فتتسع الهوة بيننا وبينها، ونصير بتتابع الأيام ذيلاً لها، وعالة عليها.
إننا فى حاجة إلى إبداع بدائل لا تنتهى لحل مشكلاتنا التى تعقدت فى كل مناحى الحياة. وهذا الإبداع لا يجب أن يتوقف مهما تعنتت السلطة أو عمدت إلى وأد الأفكار والأعمال التى لا تأتى على هواها ومصالحها، فتلك السلطة ليست باقية إلى الأبد، وليست قدراً محتوماً. ولذا من الضرورى أن يجد هؤلاء الجادون المخلصون أفكاراً عملية جاهزة، ليستخدموها فى مواجهة التخلف، والأخذ بأسباب التقدم والرقى، لنظفر فى نهاية المطاف بدولة قوية قادرة على الصد والرد، وتحقيق أحلام مواطنيها الذين يتحرقون شوقاً إلى الحرية، ويتطلعون إلى حياة مادية أفضل وتمتلك الدولة منعة وحصانة فى مواجهة أى عدو أو طرف خارجى طامع.
فيا أيتها المعارضة، بشتى أطيافها، لقد حانت لحظة «صناعة البديل» ورفع رايته خفاقة ليقف تحتها الناس، ويشيرون إليها، حين تتملكهم الرغبة الجارفة فى التغيير، والسعى الجاد إليه. إن الجماهير تحتشد وتحتج وتثور، وتعمل ما فى وسعها، لكنها لا تجد، حتى الآن، من يحول هذه الطاقة الغضبية العارمة إلى فعل سياسى إيجابى ومؤثر، وهذه مسئولية «جبهة الإنقاذ» فى الوقت الراهن، والتى عليها أن تتعلم من دروس الماضى القريب، وتفهم أن الثورة إن أرادت أن تستكمل خطواتها فهى فى حاجة إلى قائد، فرداً كان أو شكلاً مؤسسياً، وحتى لو كان المطروح هو خيار الصندوق، فالناس فى حاجة أيضاً إلى قيادة يلتفون حولها، ويصوتون لصالح اختياراتها، ما دامت رشيدة ومعبرة عن مطالب الشعب فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة.
نقلاً عن جريدة "الوطن"