توقيت القاهرة المحلي 16:22:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السرطان السياسى (2 - 5)

  مصر اليوم -

السرطان السياسى 2  5

عمار علي حسن

بناء على هذه المسوغات، التى عرضتها فى المقال السابق عن الاستبداد أو السرطان السياسى، لم يكن هناك حاكم ومحكومون على مدار قرون طويلة، بل مالك وأقنان، سيد وعبيد، سلطان ورعية، لا حقوق لها إلا ما يجود به من بيده مقاليد الأمر، ولا حريات لها إلا بقدر ما يغفل عنه أو يتركه عفواً أو استهانة. ومن أمثلة الحكام المستبدين: الإمبراطور الرومانى كاليجولا، والإمبراطور الرومانى نيرون، والحجاج بن يوسف الثقفى، وجنكيز خان، وهولاكو، وتيمورلنك، والقيصر الروسى إيفان الرهيب، ولويس الرابع عشر، إمبراطور فرنسا، وروبسبير، طاغية الثورة الفرنسية، وشارك الأول، ملك إنجلترا، وتشاى كان شيك، طاغية الصين، وأدولف هتلر، وموسولينى، والإمبراطور الإثيوبى هيلاسلاسى، وباتيستا، حاكم كوبا، وسالازار، طاغية البرتغال، وفرانكو، طاغية إسبانيا، وعيدى أمين، طاغية أوغندا، ومحمد رضا بهلوى، ملك إيران، وبوكاسا، رئيس أفريقيا الوسطى، وحافظ الأسد وابنه بشار فى سوريا، ومعمر القذافى، طاغية ليبيا. وحتى العصر الحديث استخدم العلماء والفلاسفة خلال تلك القرون كلمات أو مصطلحات أخرى للتعبير عن الاستبداد، مثل «الطغيان»، الذى عنى به الحكم القسرى الذى يهضم الحرية ويخرق الحكومة الدستورية وحكم القانون. ويقال إن الشاعر اليونانى أرخيلوخوس كان أول من استخدم هذا المصطلح حين أطلقه على الملك جيجيز، لكن هناك من يرد الكلمة إلى القبائل التركية القديمة التى كانت تحيا فى تركستان حاليا واتسمت بالقوة والتوحش، وكان الفرس والروم يسمون بلادهم «توران»، ومنها جاءت الكلمة Tyrant. وفى بداية استخدامها لم تكن كلمة طاغية تحمل معنى كريهاً شريراً، بل ربما كانت مرادفاً للملك والحاكم نفسه، مثلما تدلنا مسرحيات أسخيلوس وسوفوكليس، ومع أفلاطون وأرسطو بدأت التفرقة بين المعنيين، وصارت كلمة طاغية تعنى الإكراه والقهر. وقد اعتبر أرسطو الطغيان حالة مرضية بالنسبة لليونانيين وطبيعية بالنسبة للآسيويين، وربط بينه وبين سعى الملك إلى تحقيق منفعته الشخصية، حتى لو اضطر إلى استخدام العنف، مع تجاهل مصلحة الشعب. أما أفلاطون فعرف «حكومة الطغيان» بأنها سلطة الفرد الظالم، أو الجائر، حيث يسود الجور الكامل بغير خجل. وعرفت الثقافة العربية الإسلامية مصطلح «الطاغوت»، الذى يعنى مجاوزة القدر والارتفاع والمغالاة فى الكفر، وبذا يصبح الطغيان هو مجاوزة الحد فى العصيان. وبينما اعتبر الإمام مالك أن الطاغوت هو ما عُبد من دون الله، فإن ابن القيم الجوزية توسع فى تبيان مدلول المفهوم فرأى أن الطاغوت هو «كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو طاغوت، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله». واعتبر الفقهاء واللغويون أن «الطغيان» أشد وأعم من «العتو»، لأن الأول ينطوى على إكراه مع غلبة وقهر، أما الثانى فهو المبالغة فى المكروه فقط. كما ينطوى الطغيان على نقيصتى «الجبر» و«القهر» التى يمكن للمستبد أن يتبعد عنهما فى ممارسته، أو لا يكون مضطراً بالضرورة إلى تنفيذهما كى يمسك بمقاليد الأمور فى يده، بل قد لا يلجأ إلى أى تصرفات عنيفة ضاغطة على المحكومين أصلاً. ومعنى هذا أن الاستبداد يأتى مغلفاً بأساليب وخطابات ناعمة تغلفه وتخدع الناس به، أما الطغيان فيمارس وفق تنكيل ممنهج بالناس ورغبة دفينة فى إيذائهم بدنياً ومعنوياً. والمستبد يمكن أن يتحكم فى الأمر ظناً منه أن هذا فى مصلحة شعبه، أو أن الظروف تتطلب هذا، وأنه فى حاجة ماسة إلى هذا التحكم ولو لبعض الوقت حتى يصل إلى الخير الذى يسعى إليه ولا يصبر الناس عليه حتى يبلغه. أما الطاغية فهو مسرف بطبعه فى الموبقات وظلم الرعية والبطش بها، ويقترب أحياناً من التأله، وإرهاب الناس بالتعالى والتعاظم، وعدم التقيد بقانون أو دستور، وتسخير موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته، ورفض الخضوع لأى مساءلة أو رقابة أو محاسبة. (ونكمل غدا إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السرطان السياسى 2  5 السرطان السياسى 2  5



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon