عمار علي حسن
صديقى الكاتب والناقد الدكتور عهدى محمود أرسل لى هذه الرسالة واسماً إياهاً بـ«القول المفيد فى حكاية مرسى وعبدالمجيد»، أنشرها هنا نصاً كما وصلتنى منه، لما فيها من إحكام شديد، وفهم عميق، ورؤية نافذة، علاوة على الوطنية الخالصة، وها هى: «باختصار. ينعى بعض مؤيدى مرسى على قوى سياسية متعددة علمانية وليبرالية أساساً (وهم لا يخصون الفلول بالهجوم عادة) شجبها قرار مرسى، الذى ابتلعه ابتلاعاً غير كريم، بعزل النائب العام (أو ضع مكان كلمة «العزل» غيرها مما يؤدى معناها). ويعتبر المرسيون، جميعاً (والمرسيون يتحركون جميعاً فى كل حال!) هذا الموقف نكوصاً من الثوريين عن ثورتهم، ومساندة منهم للفساد الذى يمثله النائب العام (وأنا ممن يرون فساد الرجل حتى آخر شعرة مصبوغة فى رأسه).
باختصار. لم يكن مَن رفَض قرار مرسى مخيراً بين شر وخير، بل بين شرَّين: قبول استمرار النائب العام محوطاً بظلال كثيفة من الشبهات القاتمة (هو المكلف بإقامة العدل، وعنوان الإنصاف فى البلد)، وقبول افتئات السلطة التنفيذية على التشريعية، فى تهديد صريح لواحد من أسس الدولة إذا أريد لها أن تكون.
ليست هذه معادلة مصمتة، أو نهائية، بمعنى أن عناصر عديدة تدخل فى حسم القرار فيها، وترجِّح الميل إلى تجرع أحد الشرين دون الآخر. والعنصر الفارق فى هذه المعادلة، فيما أرى، يعود إلى سؤال يتعلق بمرسى: هل سيحسن مرسى التصرف فيما فُوِّض إليه من سلطة استثنائية إذا كان التأييد الشعبى له كاسحاً وساحقاً بحيث يُكسبه شرعية تعلو على القوانين واللوائح الضابطة لمثل هذه الحالة؟ هذا هو السؤال الجوهرى فيما أعتقد
والجواب، فيما أعتقد أيضاً، أن جردة حساب مرسى، ومن خلفه مؤيدون كُثر يُعملون آذانهم المصغية للأوامر أكثر من إعمالهم لعقولهم، جعلت الجواب فى غير صالحه.
باختصار. حين أمنح الرئيس سلطة استثنائية فإنه يجب أن يكون قد قدَّم من بين أوراق اعتماده ما يؤهله لذلك. حين أعطى الرجل سلطة إضافية، يجب أن يكون قد أثبت من قبل استخداماً رشيداً لما يملك من سلطات، وقدرة على تحويلها إلى الصالح العام. وأزيد على ذلك جزءاً من جاذبية الشخصية وقوتها والاقتناع بها، أو «الكاريزما» التى لم يهبها الله مرسى فيمن وهب من عباده
«كشف الحساب» تضمن شططاً وعبثاً وميلاً إلى الطغيان واستبعاداً للآخرين وتشويهاً للمعارضين على الطريقة المباركية وادِّعاء نجاحات لا تجد ما يصدِّقها من الواقع و... القائمة طويلة. وأنا، والحال هذه، لا آمن منح مرسى سلطة بهذه الفداحة والقوة. لم يكن معارضو قرار مرسى مؤيدين لعبدالمجيد محمود، ومن خلفه الزند (وتراودنى الرغبة فى الفحش من القول حين ذكر الزند، فلأكبتها). هذا هو تصوُّرى لما حدث.
الحقيقة، أن قرار مرسى جعلنى أتجرع بسببه مرارة عودة عبدالمجيد محمود، منتصراً، وغارساً انتصاره نصلاً حادة فى عنقى أنا، فيما المرسيون يقدمون أسوأ عروضهم فى التحرير، وتتخبط آذانهم بين الأوامر المتناقضة، فلا يجدون مهرباً إلا الحديث عن تناقضات مزعومة لمن يتصورونهم أعداء»... انتهت الرسالة لكن القضية لم تنتهِ، وما جرى مجرد حلقة فى سلسلة.