عمار علي حسن
يتقافز كقرد، ويطن كدبور، ويرقص على كل حبال الدنيا، وهو لا يضنيه أن يسقط فى أى حجر يتلقفه، المهم أن يجد فيه أى منفعة، صغرت أو كبرت. يكتب بإسهاب، ويحيل دوما إلى حكم وأمثلة وقوانين وقواعد من الشرق والغرب، من القديم والجديد، مستغلا معرفته التى حصّلها على عجل، ناقلا وليس ناقدا، مغترفا ومقتطفا وثرثارا وليس مبدعا، ليصنع منها قلادة زينة يضعها على أى هيكل عظمى لجارية قبيحة ويقف فى سوق النخاسة ليهتف: «قرب اشترى ست الحسن والجمال».
ومن العجب أن صاحبنا يمكن أن يخدم كل الأسياد فى أى وقت: كنا نراه فى البكور ينتظر بلهفة أى اتصال هاتفى من رجل الأعمال الإخوانى المتنفذ المسيطر، وفى الظهر يهز رأسه فى طاعة عمياء لتعليمات رجل أعمال آخر من الحزب الذى رحل، وفى المساء يجلس فى المقاعد المهتزة التى كان المجلس العسكرى قد خصصها لمن أردوا خدمته. ولذا جمع بين رضاهم جميعا، على مبدأ: «ما يأتى من النذل فائدة» دون أن ينسى المبدأ الذى عاش طيلة حياته عليه وهو «من يتزوج أمى يصبح عمى».
فى لحظة ما ضعُف صاحبنا أمام إغراء أمانة سياسات الحزب الوطنى، وهمّ بها وهمّت به، لولا أن تداركه رجلان على استقامة فمنعاه بنصائح مخلصة، وبعد أن حسبها جيدا هاجر باحثا عن رزقه وراء المحطيات العميقة. وظل يمسك العصا من المنتصف إلى أن قامت الثورة، فانكمش فى مكانه، وخفت صوته، وكان يهاتف بعض البارزين فى المشهد الثورى متوددا إليهم بدعوى النصحية، حتى يبنى معهم جسورا يعبر عليها إلى أغراضه إن تمكنوا أو آل إليهم الأمر. فلما رحل مبارك حزم أمتعته وعاد، وجلس بالقرب من السلطة الجديدة القديمة ناصحا بأجر كبير، فرفع سبابته فى وجه الثوار وقال لهم: هناك رجال للثورة وهناك رجال للدولة، قاصدا من هذا أن يحفر لنفسه مسارا، أو يتهارش مع منافسيه كالحمير حتى يوسع لنفسه مكانا بينهم. وظل مخلصا لهذا المقولة؛ لأنها تخلق له هو «شرعية» مع أن أحداً لم يجربه من قبل فى أى موقع من مواقع الدولة، لكنه الادعاء والزعم الباطل الذى دوما ما يرمى به غيره، ويدلس به على من هم سواه. وهو الإفك الذى بدأ ينظر له، حتى يتميع المشهد، ويختلط الحابل بالنابل، وتسقط على الذاكرة غمامات، فلا يسأله أحد: أين كنت؟ ومن أين أتيت؟
صاحبنا الآن يردد كالببغاء ما يُطلب منه، بعد أن يزينه ويوشيه بأفكار وأمثلة وحكم وشروح وقواعد علمية، فيصنع من نفسه «صلصة» توضع على السمك المشرف على التعفن كى تجعله مستساغا للجوعى. ولهذا إن جمعت ما كتبه فى أسبوع واحد، وأعملت فيه العقل أو المنهج العلمى ستجد تناقضا صارخا فاضحا، ليس لشىء سوى أن كل مقال، أو بضعة مقالات، كان لخدمة سيد معين يصارع أسياد الكاتب الآخرين، وهكذا يمضى صاحبنا متخبطا أعمى، ويظن أن الآخرين فقدوا البصر والبصيرة مثله فلا يرونه ولا يعرفونه.
أما إذا سألت عنه العارفين بحالته جيدا فيجيبونك: إنه يعتقد أن كثرة الكلام ينسى بعضه بعضا ويراهن على هذا. ويصفه آخرون بأنه «زئبقى» لا تستطيع أن تمسكه من أى موضع، ويقول غيرهم: إنه بلا طعم ولا رائحة. بلا موقف ولا رؤية ثابتة، عبد لمن غلب أو بمعنى أدق من دفع.
ما فات أوسع من وصف شخص بعينه، لكنه تشخيص لحالة أو مرض عضال أصاب كثيرين تتعثر أقدامنا بأجسادهم الملقاة على أرصفة أصحاب المال والسلطان، ولكل زمن «عبده مشتاقه ومحفوظ عجبه ومحجوب عبدالدايمه».
نقلاً عن جريدة " الوطن"