توقيت القاهرة المحلي 03:28:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جمعة أى شريعة؟

  مصر اليوم -

جمعة أى شريعة

عمار علي حسن

  أنا مع تطبيق الشريعة كما جاءت فى القرآن الكريم وكل ما لا يخالفه مما نُسب إلى الرسول الكريم من أقوال، وكل ما تواتر عنه من أفعال، لكننى ضد «شريعة الخلق» التى يطرحها أغلب من احتشدوا فى ميدان التحرير وزعموا أنها «شريعة الخالق» فمنحوا أقوال وتخريجات البشر قداسة وقدموها، دون أن يدروا، على وحى السماء، واستعاروا ما أنتجه الأوائل عبر إعمال العقل فى مشكلات واقعهم على أنه «نقل»، شأنه شأن التنزيل. وبالطبع هم سينكرون ذلك من الناحية النظرية، ويقولون: حاشا لله. لكن من الناحية العملية لو قمت بدراسة خطابهم وخطبهم وفتاواهم وتخريجاتهم وآرائهم ستجد أنها كذلك بوضوح وجلاء. الشريعة كما أفهمها لم تغب يوما عن الشعب المصرى، فهى مطبقة كاملة، ومتجسدة فى «قانون الأحوال الشخصية»، حيث أحكام الزواج والميراث.. إلخ، أما بالنسبة لـ«الحدود» فهناك «التعزير» الذى استبدل السجن بقطع يد السارق، وجلد الزانى وشارب الخمر، وهذا من حق «الحاكم»، كما اتفق الفقهاء الأوائل، حتى لو لم نرد التعزير هذا، فإن الشروط الصارمة والقاسية التى وضعت فى سبيل تطبيق الحد تكاد أن تقول لنا بوضوح: إن الحدود للردع. والقانون المصرى الحالى لا يكافئ السارق، ولا يحتفى بالسكير، ولا يبارك فعل الزانى، إنما يعاقبه. علاوة على أن الشريعة «حقوق» قبل أن تكون «حدودا» لكن المتعجلين والجهلاء وتجار الدين يتلاعبون بعقول بسطاء الناس، ويصورون لهم الأمر على أن الدين فى خطر، وأنهم هم حراسه الأوفياء، وأن الأمر يتطلب نصا فى الدستور على «الأحكام» وليس «المبادئ»، وينسون أن الشرع يُبنى فى النفوس قبل النصوص، وفى الواقع المعيش وليس فى بطون الكتب التى يسترزقون منها. إن كل المصريين المسلمين يمتثلون للشريعة عن طيب خاطر، من دون تشدق ولا مظاهر كاذبة وفارغة، ودون أن يجلسوا طول الوقت ليتحدثوا عن اعتزازهم بالشرع لأنه ذائب فى نفوسهم وقلوبهم. لكن المشكلة فيمن يثرثرون ليل نهار ويذرفون دموع التماسيح على «الشريعة الغائبة» و«المجتمع الجاهلى» و«الدولة المارقة» التى يجب أن يفتحوها من جديد، ليحطموا أصنامها وينشروا فيها الإسلام الذى يحملون توكيله، ويعرفون، وحدهم، أركانه، ويحملون بمفردهم مفاتيح الجنة التى وعد بها الله المؤمنين. إن هؤلاء يذكروننى بالحكمة التى تقول: «احذر المرأة التى تتحدث كثيرا عن الشرف»، والآن أقول: «احذروا الذين يتحدثون عن تدينهم ويتباهون به»؛ فالمتدين الحقيقى يذوب الدين فى سلوكه، ويلمسه الناس، ولا يكون فى حاجة إلى الإعلان عنه. يعلم كبار هؤلاء أنهم يكذبون، لكن يريدون أن يحصدوا أى مكاسب سياسية باسم الشرع، حتى لو على حساب الأخلاق التى بُعث الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليتممها، أو على حساب حق الناس فى أن يكتفوا من الغذاء والكساء والدواء والإيواء والتعليم والترفيه وهو جوهر الشريعة وعينها، لكن هذا يتطلب أفعالا لا أقوالا، وهم مفلسون ليس لديهم سوى الكلام الفارغ، والبحث عن المناصب والكراسى والمغانم باسم الدين. يقرأ هؤلاء القرآن الكريم، ويفهمون أنه «الأصل» وأنه «الوحى» وأنه «النص المؤسس» للإسلام، ويعلمون أنه كتاب هداية فى المقام الأول وأن التشريعات التى وردت فيه لا تزيد عن 200 آية من بين 6236 آية تمثل «المصحف الشريف» كله، ويتلون «اليوم أكملت لكم دينكم» لكن يتناسونها ويكملون هم الدين زعما من عند أنفسهم، ويوهمون عوام الناس أن الدين مهجور، ويهملون قول أحد ممن يحيلون إليه دون فهم ولا وعى وهو ابن القيم الجوزية من أن الشريعة عدل كلها وقسط كلها ورحمة كلها، وأن أى شىء خرج من العدل إلى الظلم، ومن القسط إلى الجور، ومن الرحمة إلى القسوة، فهو ليس من الشرع وإن أدخل فيه بالتأويل. وصدق رب العزة حين قال فى محكم آياته على من استبدلوا بكلامه كلام البشر، وغالوا فى الدين وأوغلوا بغير رفق: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جمعة أى شريعة جمعة أى شريعة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon