عمار علي حسن
جاءتنى رسالة ناصعة تحوى بياناً ذا بصيرة واستقامة، وقعه عدد ممن أطلقوا على أنفسهم «مثقفون إسلاميون» من بينهم الأساتذة ممدوح الشيخ وعاصم بكرى وعبدالجليل الشرنوبى وأحمد بان، يرفضون فيه الإعلان الدستورى الذى ألقاه مرسى فى وجه الشعب دون حق ولا حرج، ولأن هذا البيان ينطوى على معانٍ عميقة ورؤية جلية ثاقبة، فقد آثرت أن أفسح المجال لنشره كاملاً من دون اختصار ولا ابتسار، خاصة أن مضمونه يتطابق مع عنوان عمودى وهو «ضمير»، وفيه رد على الذين احتشدوا فيما أسموها «الشريعة والشرعية». هنا البيان نصاً:
«هذه كلمة نرى أن من الخير -بل من الواجب- أن نقولها للرئيس الدكتور محمد مرسى فى موقف كثر فيه مشيرو السوء وتجار التأويل الذين لا يكادون يعرفون من أصول الفقه سوى قاعدة واحدة هى أن: «الضرورات تبيح المحظورات». وبعضهم -بالفعل- حولوا راية نبيلة اجتهدنا أن نقف (نحن الموقعين على هذه الرسالة) تحتها لسنوات مضت، هى الراية الإسلامية، إلى مطية لأهداف ومصالح لا اعتبار لها لا شرعياً ولا أخلاقياً. وبصراحة تامة نؤكد لك أن تداعيات الأحداث فى الفترة الماضية -وبصفة خاصة منذ صدور المرسوم الدستورى الأخير- تجعل الصمت خطيئة لا نحتمل أن نلقى الله سبحانه وتعالى وإثمها فى رقابنا.
وعليه، فإننا نود أن نقول لكم بوضوح لا لبس فيه:
أولاً: هناك فروق واضحة بين مفاهيم «المبدئية السياسية» و«الواقعية السياسية» و«الميكيافيللية السياسية»، والإسلاميون أولى الناس بالتقييم المبدئى، وقد يكون مقبولاً أن تكون هناك واقعية سياسية لا تتجاوز المبادئ، لكن «إسلاميى السلطة» من الإخوان والسلفيين وصلوا بهذا المرسوم وما تلاه من مواقف إلى حد لا يمكن «ابتلاعه» من «الميكيافيللية السياسية». ولا نحسب أن مفردتى «الإسلام» و«الميكيافيللية» يمكن أن يجتمعا إلا عند من يختار أن يترك التأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم ويختار بدلاً من ذلك الاقتداء بمن قال: «هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً».
ثانياً: أن الطريق إلى نصرة الحق لا يجوز أبداً أن يكون بالباطل ومن يزينون للناس أن الصراع هو بين الإسلام وخصومه يكررون فعل إبليس عندما سمى «الشجرة المحرمة» «شجرة الخلد»، وهذا لا يمكن أبداً تخيــُّـل أن يكون بـ«اسم الإسلام».
ثالثاً: أن «الخطأ لا يبرر الخطأ» ووجود مرضى بهوس السلطة بين معارضى «إسلاميى السلطة» لا يعنى وصم كل من يعارضهم بمعاداة الإسلام فهذا معالجة لـ«الخطأ» بـ«الخطيئة». والإسلام دين سماوى دستوره الخلقى هو الترفع الخلقى وليس التدنى.
رابعاً: أن جماهير «إسلاميى السلطة» أصبحوا عبئاً عليهم على نحو يجعل من يمسكون بدفة الأمور فى التيارين الإخوانى والسلفى فى حالة «نفاق للجماهير»، فى مجافاة صريحة لسنة الرسول. وهو عبء يوشك أن يورد القادة موارد الهلكة، وعندها ستكون الجماهير قد تحولت إلى عبء على المشروع، وعلى مستقبل وطن هو بين دول العالم الإسلامى «مؤشر» تصعد الأمة بصعوده وتهبط بهبوطه، فلا تسمحوا للخوف من الجماهير بأن يأخذنا جميعاً إلى مستنقع الفوضى.
خامساً: لا حاجة بنا إلى التعليق على تحصين أعمال أى شخص كائناً من كان من الطعن عليها والاحتجاج عليها بالطرق المشروعة، فقد كفانا حلفاؤك السلفيون مؤونة الرد عليها.
سادساً: أن الأغلبية التى وصلت بها إلى منصب رئيس الجمهورية أصبحت -تحت سمعك وبصرك- «قميص عثمان الجديد»، وعليه فإننا نرى أن من واجبنا أن ننبهك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ من «الأنصار»، بيعتى العقبة الأولى والثانية وعندما نزل الإذن للمؤمنين بالقتال، قال للصحابة مهاجرين وأنصاراً: «أشيروا علىَّ». واسمح لنا أن نسألك:
• هل يكون للرئيس المنتخب بأقل من 60% من أصوات الناخبين، حقوق على المصريين -مؤيدين ومعارضين مسلمين ومسيحيين- حقوق أكبر مما كانت للرسول على الصحابة بموجب «بيعتى العقبة»؟
• وهل معركة مثل: الدستور أو حل التأسيسية أو حل مجلس الشورى أثقل فى ميزان الإسلام من جهاد الرسول فى بدر حتى يكون مباحاً لـ«إسلاميى السلطة» فيها ما لم يبح للرسول؟
• والرسول صلى الله عليه وسلم تعايش مع اليهود فى المدينة فى الوقت الذى كان فيه الوحى ينزل ليفضح إساءتهم لذات الله وظل على معاهدته معهم، فهل يكون تمرير الدستور دون وجود تمثيل للكنائس المصرية تأسياً بالرسول؟ علماً بأن الرسول تعايش وتعاهد مع «الأشد عداوة» وأنتم تفشلون -بجدارة- فى التوافق مع «الأقرب مودة». وهذا درس فى الائتلاف حول المشترك العام الوطنى فشل «إسلاميو السلطة» بجدارة عندما تصوروا أن أحدهما حرب على الآخر.
• وهل يجوز لحركات إسلامية تتأسى بالرسول الذى أبى أن تكون له «خائنة الأعين» بينما هم يمددون عمل لجنة وضع الدستور ثم يلتفون فوراً للتصويت منفردين عليه؟
يا رئيس المصريين جميعاً:
إن خطاب «إسلاميى السلطة» وممارساتهم معاً يشيران إلى عمل منظم يستهدف «احتكار الإسلام»، بحيث يصبح الانتماء التنظيمى إلى الإخوان أو السلفيين مصدر المشروعية الوحيدة لمن يريدون العمل لأجل المشروع الإسلامى، والاحتكار كهدف واضح لا يحتاج تأويلاً ووسيلة الوصول إليه كل منهما لا يقل سوءاً عن الآخر!
كما أن بعضاً من «إسلاميى السلطة» أكثر إيغالاً فى الهوس بالسلطة من بعض خصومكم، فاحذر «عدوك مرة واحذر بعض حلفائك وأنصارك ألف مرة»، وبعضهم شاء الله أن تكشف هذه الفترة القصيرة الماضية حقيقتهم....... و«لا يفضح الله عبداً لأول معصية»!.
وتذكــَّر أن الرسول يأمرنا بأن نحثو فى وجوه المداحين التراب. والعاقل من اتعظ بالحكمة القائلة: «صديقك من صَدَقَكَ لا من صَدَّقَك».
ولتعلم أن الإسلام نفسه ناله الكثير من الإساءة من تصريحات وسلوكيات وخيارات لبعض من يقفون تحت راية «إسلاميى السلطة» وأخشى أن تنتقل هذه الراية من مكانها فوق رؤوسهم لتصبح تحت أقدامهم إذا وجدوا أن المعايير الأخلاقية والشرعية الملزمة ستكون عقبة فى طريق مطامعهم.
ألا هل بلغنا، اللهم فاشهد.
وأخيراً يهيب الموقعون على الرسالة بمن يرى فى محتواها ما يعبر عن قناعاته أن ينضم إلى موقعيها».
نقلاً عن جريدة "الوطن"