عمار علي حسن
يوم إعلان فوز مرسى بالرئاسة، كتبت رسالة له ونشرتها بعد ذلك بيومين، ولفتت انتباه كثيرين، ولاقت استحسانهم، إلى درجة أن المستشار فكرى خروب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية قال: لا بد للرئيس من أن يبرْوز هذه الرسالة، ويعلقها خلف كرسيه، ليتذكر ما فيها دوما. وتعهد رجل أعمال مقرب من الإخوان بعد أن قرأها منشورة بأنه سيوصلها إليه، لكن ما كان يعنينى وقتها أن يقرأها الناس، الذين أتوجه إليهم دوما ولا أقصد صاحب جاه ولا سلطان، وها أنا أنشرها من جديد، ليعرف من يقرأها مجددا كيف أنه سار على عكس ما جاء فيها تماما، وكيف أنه خذل حتى من فكروا فى أن تصل كلماتها إليه. وتقول الرسالة نصا:
«السيد الرئيس..
اعلم أن الشعب هو الذى منحك ما أتاك فافعل ما لا يجعله يأخذ ما أعطى، ثم يزجرك وينهرك ويلحقك بمن سبقك، وإن خطفك زهو أو غرور فتذكر جيدا ما جرى لمن جلست مكانه وأعقبت زمانه، وكن أجيرا أو خادما كما وعدت فآخر القياصرة يلعق جراحه فى قفص على بعد خطوات من مخدعك ومقعدك.
السيد الرئيس..
لتخلع عن جسدك ونفسك وعقلك كل أردية الماضى فبها من الثقوب ما لا تخطئه العين، وبها من الخروق ما اتسع على الراتق، ولترتدى زيا جديدا، نسجه لك بسطاء المصريين بأناملهم، ولتعرف أن هؤلاء هم من حملوك من الزنزانة إلى القصر، وليس المرتعشين المترددين الخائفين الذين كنت بينهم.
السيد الرئيس..
لا تقرّب إليك المنافقين فهم خناجر مسمومة فى ظهرك، ولا تفرح بالسمع إلى من هم دونك فهؤلاء سيحطون من قدرك، وليكن عندك الأصلح فى كل ولاية بحسبها، فلا تولى أحدا منصبا لا يستحقه، وليكن المصريون جميعا من الآن هم جماعتك، والدستور مرشدك، والوطنيون الأكفاء إخوانك، ولتفتح قلبك وعقلك ونفسك للجميع، فمن أحسن يثاب ومن أساء فيجازى بما يقتضيه العدل، وما تفرضه الحكمة.
السيد الرئيس..
اعلم أنك فى محنة وإن جاءتك على هيئة منحة، ولتدرك أن الحمل ثقيل، والمخاض عسير، فأشرك معك من يعينك لا من يداهنك. ولا تسلم قيادك إلى أحد من حولك، فقد يأتيك السهم من حيث لا تعتقد ولا تحتسب، وقد يكون عدوك بين يديك وصديقك لم تعرفه ولم تقابله أبدا، فالتاريخ علم الإنسان أنه «رب أخ لم تلده أمك» وأفهمه أن الظلم قد يأتى من ذوى القربى، والخيانة قد يصنعها أحيانا من نظن أنه أقرب إلينا من أنفسنا، والعصبة كما بها غُنم ففيها غُرم وجُرم.
السيد الرئيس..
سيحكم عليك الناس بما تفعل لا بما تقول، وسيحكم عليك التاريخ بما تنجز لا بما تعد، ولتردد دوما فى صحوك وخطوك، فى قعودك ووقوفك، قول الله تعالى: «كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون»، ولتدرك أن مسارك فى الدنيا فى قبضة شعب ثائر، ومسارك فى الآخرة مرهون بالإصلاح ما استطعت، والله الموفق والمستعان.
السيد الرئيس..
ليكن بأسك على من ظلم وفسد، وليكن حلمك على ذوى الحاجة من المظلومين والمكلومين والمحرومين، ولا تنصت طويلا إلى من لا يعرف من الدنيا غير كنز المال وإذلال الرجال، فالناس أحرار كرماء، لكن لا حرية لجائع ولا كرامة لعريان، والذين يساقون كالقطعان قد لا يكونون هم من يرفعون البنيان.
السيد الرئيس..
إن مصر كبيرة وعريقة وهى أمة بذاتها ولدت كاملة، فأنصحك أن تقرأ تاريخها جيدا، وتعرف عنها أكثر مما تعرف عن عبس وذبيان وحلف الفضول. ولتعلم أن هذا البلد هو الذى يعطى مهابة وقدرا لمن يحكمه ولا ينتظر أن يمن أحد عليه بشىء حتى لو كان حاكمه. ولتعلم أن أحدا لم يغلب روح مصر فإياك أن تجرحها، أو تتوهم أن بوسعك أن تغير هويتها وطويتها، فما أراد أحد ذلك إلا وتكسرت نصاله على حواف تاريخ مصر وثقافتها.
السيد الرئيس..
أنت طلبت فى خطابك الأول أن نعينك إن أحسنت ونقومك إن أسأت، وبالنسبة لى فإن إعانتك فى كل الأحوال هى نقدك، ليس بتعقب ما تفعله بحثا عن كل زلل وخلل، وليس حبا فى المعارضة أو وقوعا فى فخها وهواها، وإنما هى الرغبة المتجددة دوما فى طرح ما أعتقد أنه الأفضل دوما لبلادى، بكل تجرد ونزاهة، فهى الأولى دوما بأن نراعيها، تعاقب عليها الكثيرون من أمثالك فذهبوا وبقيت هى تاج العلاء فى مفرق الشرق، فساعد أهلها على أن تظل رؤوسهم مرفوعة، والله معنا جميعا ومعك».
اليوم وبعد أن سال دم شبابنا بأيدى أنصار مرسى أقول له: رسالتى الآن لك هى كلمة واحدة: ارحل.
نقلاً عن جريدة "الوطن"