توقيت القاهرة المحلي 20:12:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دستور يجرح الشرعية

  مصر اليوم -

دستور يجرح الشرعية

عمار علي حسن

خاض المصريون غمار «الاستفتاء» على «مشروع الدستور» منقسمين على أنفسهم بطريقة حادة لم يألفوها طيلة تاريخهم المديد، بما يضع بلدهم العريق المتماسك على باب «الاحتراب الأهلى» مع غياب رجال الدولة القادرين على إدارة الأزمة باقتدار ونجاعة، ومع بروز التناقض الجارح بين أولويات المجتمع فى اللحظة الراهنة وبين المشروع الذى تحمله جماعة الإخوان على أكتافها منذ ثمانين سنة، وتعتبر أن الوقت قد حان لتنتقل به «الصبر» إلى «التمكين». ورغم أن الدعاية السياسية دفعت الإخوان إلى تسويق الاستقرار فى ركاب الموافقة على تمرير مشروع الدستور، فإن الواقع لا يشى بهذا على الإطلاق، بل يؤسس للنقيض. فالدستور لم يخرج إلى الحياة من باب التوافق، بما يجعله قاعدة صلبة لتنظيم المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والدينية فى المجتمع المصرى، ووضع معايير واضحة المعالم للتنافس الحزبى والتداول السلمى للسلطة، ويضمن حقوق الناس ويصون حرياتهم الشخصية، ويرتب المعاش على سنن العدل والاستقامة. بل على النقيض من هذا ولد الدستور فى أتون الاحتقان والتباغض والتلاسن والإحن السياسية العميقة والقاسية. ويوجد كثير مما يزيد من هوة الثقة بين المعارضة والسلطة، وهى معضلة تحول دون استعادة الهدوء والاستقرار، الذى سوق الإخوان مشروع الدستور على أساسه. ومن ثم يبقى أى حديث عن «حوار وطنى» بعد تمرير الدستور أمرا غير ذى جدوى لاسيما، فى نظر المعارضين، ما لم يتم تحديد جدول أعمال هذا الحوار وأهدافه وأطرافه، وتكون النية صافية خالصة إلى أن نتائجه ستأخذ طريقها إلى التطبيق. وقد يكون مثل هذا الإجراء فرصة سانحة أمام السلطة لترميم الشروخ فى الدستور الجديد، والتصالح مع النصف الآخر تقريبا الذى رفضه، وهى مسألة لا تمس صلاحية الدستور للعيش والاستمرار فحسب بل تمس أيضاً شرعية نظام الحكم. فالدستور الذى قُصد من تمريره تعزيز تلك الشرعية، هاهو يضيف عليها أعباء جديدة، لاسيما مع اتهام المعارضة للسلطة بالتلاعب فى كل الجوانب الإجرائية لعملية الاستفتاء. وهى مسألة إن نفاها من فى الحكم، بالطبع، فليس بوسعهم أن ينكروا تراجع شعبيتهم من واقع القراءة الفاحصة والدقيقة لنتائج الانتخابات والاستفتاءات. ففى الاستفتاء الأول على التعديلات الدستورية التى وضعتها لجنة شكلها المجلس العسكرى، حاز «التيار الإسلامى» على تأييد 77.2% لموقفه الداعى إلى التصويت بنعم، وهاهى تتراجع الآن بشكل واضح لتزيد قليلا عن النصف، مع افتراض «نزاهة» الاستفتاء، أما إن اعتمدنا رواية المعارضة فسيكون الرافضون لموقف الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية من مشروع الدستور أكبر من الموافقين لهم أو الراضين عن مسلكهم. وبينما حصل هذا التيار على أكثر من خمسة عشر مليون صوت فى انتخابات مجلس الشعب الفائتة، تدنى الرقم إلى نحو الثلث فى انتخابات مجلس الشورى، وهو الرقم الذى حازه الدكتور محمد مرسى فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. ومثل هذا الوضع يجعل الشرعية على المحك، لاسيما فى ظل تواصل المظاهرات فى الشارع التى تطالب بـ«إسقاط النظام» وتقول للرئيس «ارحل» وهى مسألة إن لم يكن عليها إجماع داخل صفوف المعارضة، فهناك من يرى خطر الإطاحة برئيس منتخب ولا يريد منه سوى أن يُرَشّد قراره ويتوخى العدل ويتصرف كرئيس لكل المصريين. لكن هذا الصوت الحريص على عدم هدم الشرعية خوفا من الفوضى أو الانقلاب العسكرى يضيع وسط هدير غاضب يهتف بسقوط الشرعية سواء بفعل الدم المسفوك أو الانفراد التام بالحكم أو التفريط فى مصلحة الشعب. وكان من المفترض أن يكون هذا الدستور فرصة سانحة لاستعادة اللُحمة الوطنية، حال التوافق عليه شكلا ومضمونا، لكن من أسف لم يتم هذا، وها هو يتحول من مزية إلى عيب ومن مدماك قوى صلب للعمل الوطنى إلى أكوام من حجر قد يمد الفرقاء أيديهم إليها ويقذفون بعضهم البعض، وتسيل دماء من جديد. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دستور يجرح الشرعية دستور يجرح الشرعية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon