عمار علي حسن
أمام لجنة الاستفتاء على الدستور، وقع بصرى عليهم، فهتفت من أعماقى: يا الله، وسألتهم:
ــ هل عدتم من السماء؟
ابتسم الشيخ عماد عفت وقال:
ــ أرواحنا ترفرف فوق رؤوسكم، وترعى خطاكم، وتبارك لكم إصراركم على استكمال طريق الكفاح.
اقتربت منه، وكان يقف فى أول الطابور وخلفه ألف شاب وفتاة. عرفت صور بعضهم، فابتسمت وسألته:
ــ أتقود الشهداء فى الطابور.
نظر نحو مينا دانيال وقال:
ــ جئنا لنساندكم.
فسألته على الفور:
ــ وبمَ ستصوت يا شيخنا؟
ابتسم من جديد بينما عيناه تضيقان وتطلقان شعاعا نحو لافتة صغيرة يرفعها «جيكا» وقال:
ـــ هذا هو رأينا.
وكانت كلمة «لا» ترفرف فى نسائم الشتاء الطرية التى هبت على المكان، وتهز شجرة عجوزا تقف أمام اللجنة مولية أغصانها شطر الوجوه المتأهبة للدخول إلى اللجنة.
ضحكت وقلت له:
ــ الشهداء فى الجنة، فكيف دخلتموها دون «نعم»؟
بادلنى الضحك وقال:
ـ طريق الجنة مفروش بـ«لا»، لأنها هى التى تغير التاريخ، هى الزاوية الحادة التى تخنق السجان والسلطان والقرصان، هى شهادة تقدمها لـ«رضوان» على أنك لم تكن فى الدنيا إمعة منقادا كخروف ضال، وأنك قلت الحق فى وجه حاكم جائر.
ثم تنحنح، ومد يده وعانق الصبى إسلام مصطفى صاحب القامة المديدة، وقال:
ـ أقصد «لا»، التى ترفع فى وجه الظلم والفساد والاستبداد والسرقة والخطف، وليست بالقطع «لا» التى تنطقها عنادا وجحودا وفجورا.
هززت رأسى وقلت:
ـ طبعا، هذا مفهوم يا شيخنا.
نظرت إلى الطابور الطويل وقلت له:
ــ لكن هذا الدستور يتحدث عن حقوق لكم.
أشاح بيده واكتسى وجهه بالغضب وقال:
ـ وهل ضحينا بأرواحنا من أجل حفنة مال بائسة؟!
وساد صمت طويل، قطعته جلبة الخارجين من اللجنة المجاورة، ثم عاد السكون من جديد، فجاء صوت الشيخ جهورا جليا طليقا كريح:
ـ دفعنا أعز ما نملك من أجل دولة حرة مكتفية يحيا أهلها فى رحاب العدل والكرامة، يأكلون مما يزرعون، ويلبسون مما يصنعون، ويسكنون ما شيدته سواعدهم، ويمشون فى الطرقات مرفوعى الهامات، لا أحد يذلهم، ولا أحد يجرحهم، ولا صوت يعلو فوق صوتهم، لأنهم الشعب.
تنهدت بحرقة وسألته:
ـ ألا تجد كل هذا فى الدستور؟
فقهقه وقال:
ـ فى الدستور أشياء توحى بهذا، لكن هناك ما يقيدها ويفرغها من مضمونها أو يضربها فى مقتل. لقد أعطوكم الحصرم وأخذوا العنب، ولا حدود للتدليس والمراوغة، لهذا سنقول «لا» و«لا» بلا تردد.
نقلاً عن جريدة "الوطن"