توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معنى النخبة (٥-٦)

  مصر اليوم -

معنى النخبة ٥٦

عمار علي حسن

.. وعلى عكس مزاعم الإخوان ودعايتهم السياسية فإن مفهوم النخبة فى الرؤية والخبرة العربية له تاريخ أو جذور غير مباشرة. فالخلافة الإسلامية نُسبت إلى أسر حاكمة، فقيل «بنى أمية» و«بنى العباس» وتحدث القرآن الكريم عن تغير موازين القوة والمعاناة فى الدنيا من جماعة إلى أخرى: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (آل عمران: 140)، كما تحدث عن تغير توزيع الثروة، ورفض تكدس الأموال فى يد فئة قليلة من الناس إلا بإعطاء الفقراء المستحقين: «أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الحشر: 7). ورغم أن الآيتين قد تتصلان مباشرة بقضية توزيع القوة والثروة بين النخب المتعاقبة، فإن استعمالهما فى الخطابات الفقهية والحركية على مدار قرون ذهب إلى هذه الناحية، حيث تم استدعاء الآيتين أو الاستشهاد بهما فى مواقف ومواضع تخص تلك القضية. وتجسد مفهوم النخبة بمعناه السياسى المباشر فى تجربة «أهل الحل والعقد» الذين يشملون أهل الاختيار، وأهل الشورى وأهل الاجتهاد، إذ لعبوا دورا كبيرا فى صناعة القرار أو تبريره، وكانت لهم مكانتهم الاجتماعية البارزة. واقترب ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة من الأمر فى طرحه لمفهوم «العصبية» التى تقوم على علاقات المصاهرة والقرابة من ناحية، والتحالفات الاجتماعية التى تستند إلى المصالح من ناحية ثانية. وأخذ السيد عمر فى كتابه «الدور السياسى للصفوة فى صدر الإسلام» المفهوم إلى منطقة أكثر اتساعا. وبعد أن رأى أنه لا يوجد نص صريح فى الآيات القرآنية وفى الأحاديث النبوية يحدد هؤلاء بصورة مفصلة أو حتى إشارة عامة مجملة، راح يراجع ما جرت عليه السنة العملية فى عصر الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وما جرى عليه العمل من بعده إبان عهد الخلفاء الراشدين، وكذلك ما ذكره كبار المفسرين وعلماء الفقه الإسلامى، ليحدد لنا من هم الذين يمثلون «الصفوة» فى صدر الإسلام الأول، مستعرضا وقائع تاريخية ليثبت من خلالها أن «أهل الحل والعقد» يضمون عناصر أو فئات مختلفة تكونت بطريقة طبيعية تدريجية، وتولدت غالبيتها من قلب أحداث تاريخية مختلفة، ويحددها فى أربع فئات، أولاها: السابقون الأولون إلى اعتناق الإسلام بمكة. وثانيتها: الممتازون بخدماتهم وتضحياتهم وبصيرتهم وفراستهم. وثالثتها: الذين قاموا بأعمال جليلة فى الشئون العسكرية والسياسية ودعوة الناس إلى الدين. ورابعتها: الذين نالوا شهرة عظيمة بين الناس من حيث علمهم بالقرآن، والفهم والتفقه فى الدين. وفضل إيليا حريق استخدام مفهوم «السراة» بديلا لمفهوم «النخبة» لأن الثانى محمل بقيم وسياقات غربية، وأنه حين تمت ترجمة مصطلح أو كلمة Elite إلى اللغة العربية بـ«نخبة» فقد انحرف المدلول وحمولاته ولبس لبوس الثقافة العربية التى تضع هالة من الخصال الحميدة والتصورات والأفعال الحميدة حول كلمة «نخبة» التى تحال إلى الاصطفاء والانتقاء والامتياز والخيرية وحسن الخلق. واستند «حريق» فى طرحه هذا الذى حوته دراسته «السراتية والتحول السياسى والاجتماعى فى المجتمع العربى الحديث» إلى ما جاء فى قصيدة لشاعر جاهلى هو صلاةُ بن عمرو بن مالك: «وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ وَساكِنٌ بَلَغوا الأَمرَ الَّذى كادوا وَإِن تَجَمَّعَ أَقوامٌ ذَوو حَسَبٍ اِصطادَ أَمرَهُمُ بِالرُشدِ مُصطادُ لا يصلح الناس فوضى لا سَراةَّ لهم ولا سَراةَّ لهم إذا جُهَّالُهم سادوا تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا» (ونكمل غدا إن شاء الله تعالى) نقلاً عن جريدة " الوطن " .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معنى النخبة ٥٦ معنى النخبة ٥٦



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon