عمار علي حسن
.. وفى الخبرة العربية التطبيق هناك عشرات الدراسات التى اهتمّت بتحديد وتحليل النخبة. يمكن أن نشير فى هذا المقام إلى ثلاث دراسات مهمة، منها: الأولى أعدتها مايسة الجمل تحت عنوان: «النخبة السياسية فى مصر.. دراسة حالة للنخبة الوزارية»، حيث بدأت بدراسة الإطار السياسى والاجتماعى المحيط بالنُّخبة، ثم راحت عبر بيانات إحصائية، تُحلل الهيكل التنظيمى لها، وأنماط تجنيدها، بالنسبة إلى الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس الشعب وجماعات الضغط والمصالح، ورجال الأعمال، والمؤسسة العسكرية. ثم دخلت إلى جوهر الدراسة وهو «النخبة الوزارية فى السبعينات»، فحللت وفق عناصر محدَّدة هى: المدنيون والعسكريون، والخلفية التعليمية، المستوى التعليمى، محل الدراسة، والخلفية الوظيفية، السن عند دخول الوزارة والخروج منها، وفترة العمل السياسى السابق على ذلك، ونمط التعيين، والعلاقة بين التخصص الدراسى والمنصب الوزارى، والانتماء السياسى، والمستقر الوظيفى بعد ترك المنصب. وانتهت إلى تحليل شبكة النخبة وفق معطيات محددة هى: الجماعات غير الرسمية، ونموذج الرئيس الملك، ونماذج رجال الأعمال، والسياسيون البيروقراطيون، والتكنوقراط والمهنيون.
والثانية للباحثة اليمنية بلقيس أحمد أبوإصبع تحت عنوان «النخبة السياسية الحاكمة فى اليمن خلال الفترة من عام 1978م حتى عام 1990م»، درست فيها خصائص وسمات وسُبل تجنيد أعضاء مجلس الوزراء والمجلس الاستشارى والمحافظين فى شمال اليمن (قبل الوحدة) لكنها لم تتطرق إلى العلاقات البينية لأفراد النخبة، وطبيعة أدوارها السياسية، وأسباب تصارعها.
أما الثالثة فأشمل، إذ شارك فيها باحثون كثر، درسوا النخبة السياسية فى أربع عشرة دولة، منطلقين من توصيف الإطار المجتمعى لها، من حيث النظام السياسى والبيئة الاجتماعية والفضاءات الثقافية والأوضاع الاقتصادية التى تحيط بالنخبة، ثم قاموا بتشريح مكوناتها وخصائصها من زوايا الخلفية التعليمية والمهنية والولاءات الاجتماعية والأعمار والأماكن الوظيفية التى انحدرت منها وتلك التى ذهبت إليها بعد ترك المناصب، والتغيُّرات التى طرأت عليها، والعلاقات المتبادلة بينها وبين النخبة المضادة.
***
هكذا عزيزى القارئ نكون قد طرحنا أمامك المعنى العلمى الشامل لمصطلح «النُّخبة» فى ستة مقالات متتابعة، فإن أعدت قراءتها مجتمعة فيمكنك أن تمتلك الحجة التى ترد بها على التشويه المقصود الذى تعرّض له هذا المصطلح فى الحياة السياسية التى أعقبت انطلاق «الربيع العربى»، لا سيما فى مصر على أيدى أتباع الإخوان والسلفيين، وكان هدفهما بناء جدار عازل بين «قادة الرأى» والجماهير الغفيرة، حتى يسهل عليهم توجيهها بالطريقة التى تحلو لهم وتحقق مصالحهم. لقد كان التشويه عميقاً وجارحاً إلى درجة أن كلمة نخبة صارت مصطلحاً سيئ السمعة فى أذهان العوام. لكن هذا الأمر انطوى على شىء إيجابى، يتمثّل فى اعتراف غير مباشر من «النخبة الحاكمة» آنذاك بأن «النخبة المضادة» أو «النخبة الثقافية» لها تأثير كبير على الجمهور، الأمر الذى فرض على من يحكمون استخدام كل أساليب الدعاية السياسية فى مواجهة قادة الرأى. وآن الأوان أن نرد عليهم بطريقة علمية، والعلم يربح والجهل يخسأ ويخسر فى نهاية المطاف.
نقلاً عن جريدة "الوطن"