عمار علي حسن
فى صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، يحكى الباحث السياسى الصديق رضا هلال واقعة لافتة ومؤلمة قائلا: «الزمان: يوما الجمعة والسبت الفائتان، الساعة العاشرة صباحا.المكان: مدينة الشيخ زايد، منطقة الشباب، كشك خبز الشباب، بجوار سنترال 2. الواقعة: ذهبت إلى كشك الخبز لأشترى بجنيه واحد. موظفة كشك الخبز منتقبة، ولا بأس فى ذلك، ووفقا لكلامها فإن المواعيد الرسمية لتوزيع الخبز تبدأ فى الثامنة صباحا وتنتهى فى الثالثة عصرا، ولمرة واحدة فى اليوم لكل مواطن، ولك أن تتصور، وفقا لكلامها أيضاً، أن «عربية العيش» وصلت فى هذين اليومين الساعة السابعة صباحا وتم توزيع الخبز على الأحباب من الإخوان، هكذا قالت، وأكدت أن الخبز يتم صرفه فقط لمسئولين فى الجماعة، فيعطون إخوانهم أولا، ويصل الخبز حتى بيوتهم، ثم نصحتنى بأن أحضر المرة المقبلة ومعى تأشيرة من مدير الوحدة الحزبية للحرية والعدالة كى يتسنى الحصول على الخبز، علماً بأن هذا المدير هو السيد عبدالسلام بشندى، عضو مجلس الشعب المنحل عن الحزب المذكور، وفى كل هذا البأس كله».
هكذا يحكى صديقنا، وهو رجل على أبواب مناقشة أطروحة الدكتوراه فى العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وله العديد من الكتب والدراسات فى هذا المجال، ثم يعلق على ما جرى له قائلا: «التآمر على هذا البلد يتم على يد الإخوان الأحباب، فما بالك ما سيتم فى انتخابات مجلس الشعب القادمة؟ ماذا سيفعلون بنا؟ وهل شكل الرشوة الانتخابية المقبلة سيكون رغيف الخبز؟ الله يرحم أيام ما قبل الإخوان وأشقائهم من السلفيين».
وقد اتصلت بالصديق رضا، الذى لم يعادِ الإخوان فى أى يوم من الأيام، لأستوثق مما كتبه، فأكد لى صدق هذه الواقعة، بل قال إن هذا يتكرر مع أكشاك أخرى لتوزيع الخبز، إذ يحضر مندوب من الإخوان ويتسلم الخبز الوارد إلى الكشك، و«يوزعه بمعرفته»، على حد تعبير بعض العاملين فى تلك الأكشاك، التى ما إن يصل إليها الخبز حتى يختفى، والمعنى فى بطن الإخوان. بل نقل لى رضا ما يجرى فى بعض قرى الدلتا، وهو ما تصلنى أخباره من الصعيد أيضاً، بخصوص توزيع البوتاجاز، والذى يتطابق تماما مع ما يجرى بشأن الخبز.
هكذا يقع ما كنت أتحسبه وأحذر منه، وكتبته فى مقالات سابقة، من أن الإخوان سيستغلون إمكانيات الدولة وجهازها الإدارى والخدمى من أجل مصالحهم السياسية المباشرة، على غرار ما كان يفعل الحزب الوطنى المنحل، بل أبعد كثيرا وأعمق مما كان يفعل. وسيظن المواطن البسيط أن الإخوان يقدمون له هذا كخدمة أو صدقة أو أعطية، وعليه أن يدفع المقابل بالتصويت لهم فى الانتخابات، من دون أن يدرك أن هذا حقه فى المال العام، وأن من الواجب أن يذهب إليه مباشرة من دون وساطة ولا منٍّ ولا أذى ولا استغلال أو ابتزاز من أى أحد كان.
عند هذا الحد كيف يمكن أن نتحدث عن تكافؤ الفرص فى أى انتخابات قادمة؟ فالمال العام والتنظيم والإدارة المحلية وربما الأجهزة الأمنية ستدور لصالح الإخوان، وربما هذه هى العجلة الحقيقية التى تحدثوا عن دورانها بمجرد إقرار الدستور الذى قاطعه أكثر من ثلثى من لهم حق التصويت، وصوت ضدهم نحو اثنى عشر فى المائة منهم، لكنهم خطفوه بليل، حتى يدفعوا رجالهم للسيطرة على كل مفاصل الدولة، حتى أكشاك توزيع الخبز والبوتاجاز، ولا عزاء للأخلاق أو المنافسة الشريفة، ولا حتى تعاليم السماء!
نقلاً عن جريدة "الوطن"