عمار علي حسن
فى سعيه نحو إعطاء العصيان السياسى دفعة قوية وحقيقية قام الزعيم الهندى المهاتما غاندى بإنشاء منظمة عام 1930 ضمت شخصيات بارزة من مختلف ولايات الهند، وفريقا متطوعا أخذ على عاتقه تدريب الناس على الشروط الدقيقة للاحتجاج اللاعنيف. وكان غاندى يتدخل دوما فى الوقت المناسب لتعديل أو تغيير بعض الأساليب فى إطار الرؤية العامة والخطوط العريضة لـ «السياتياجراها» حين يشعر بضرورة ذلك، من دون أن يفقد إيمانه بفاعلية هذا الأسلوب فى أى لحظة من اللحظات، فها هو يتصدى لاعتراض الشاعر الهندى الشهير طاغور على مسألة عدم شراء الملابس الأجنبية وحرقها بدعوى أنها إجراء سلبى، ويقول لطاغور فى ثبات إن الاحتلال البريطانى نفسه هو الذى يقوم على طريقة سلبية فى التعامل مع الهند. وتنطوى رؤية غاندى وتعاليمه فى جوهرها على إعلاء مكانة «السلام» على حساب «الحرب» واستخدامه وسيلة قوية لنيل الحقوق. وقد لخص محمد حسين هيكل فى كتابه «الشرق الجديد» هذه الرؤية على النحو التالى:
1- السلام الحقيقى هو سلام الأحرار لا سلام العبيد، واطمئنان هذا السلام داخل حدود الدولة الواحدة، يكفل السلام فى علاقات الدول بعضها مع بعض.
2- الحرية الحقيقية هى حرية الروح فى إيمانها بالحق الذى تقتنع به وتطمئن إليه، وليست حرية المتاع المادى الذى يضل الروح عن طريق الحق.
3- قوة الروح المستمدة من الحق أمضى من كل سلاح لأن صاحبها لا يعبأ بما يصيبه فى سبيل هذا الحق، ولو كان ما يصيبه هو الموت.
4- الأديان كلها تمثل الحق الذى يلهمه الله لمن اختارهم من عباده المصطفين، وكلها تدعو إلى المحبة والسلام، فلا يمكن أن تقوم حرب لنصر دين على دين، لأن الحرب تتنافى بطبعها مع المحبة والتسامح والسلام.
5- كل عمل شريف ما دام نزيها، والعمل هو الذى يجعل لصاحبه الحق فى العيش وفى الحياة، وكل من يعيش بغير عمل يسلب العامل عرق جبينه، ويسلبه لذلك حريته، ويمهد من ثم لاضطراب السلام.
6- الاستعمار هو استغلال شعب لشعب بغير حق، وهو لذلك من أسباب الحرب، ما بقى فى العالم، ولذا يجب القضاء عليه قضاء مبرما.
7- من اليسير نضال الاستعمار بغير عنف ومن غير حقد عن طريق عدم التعاون والإضراب والمقاطعة والعصيان المدنى، وكل وسائل النضال البعيدة عن العنف، والمستندة إلى الحق وحده.
8- التربية والتعليم من الحقوق الأولية للجميع، وهما لذلك من أسس السلام ما قاما على قواعد سليمة.
9- يجب أن يكون الاكتفاء الذاتى أساس الاقتصاد القومى فى الزراعة والصناعة، وأن يكون التبادل التجارى مؤيدا لهذا الاتجاه، فلا يجنى عليه بحال.
10- التعاون دعامة الاقتصاد القومى، كما أن عدم التعاون فى غير عنف سلاح النضال القومى فى سبيل الحرية السياسية والكرامة الإنسانية، والناس أحرار ما تعاونوا متحابين.
11- واجب الدولة أن ترعى هذه المبادئ دون أن تتدخل بالعنف فى الشئون العامة، بل يجب أن ينظم الناس فيما بينهم هذه الشئون على عقيدة واقتناع وإيمان.
(ونكمل غدا إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن جريدة "الوطن"