عمار علي حسن
يهدى حاتم الجوهرى كتابه المهم «المصريون بين التكيف والثورة»، الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤخرا، إلى «صمود ومثابرة كل المؤمنين باستكمال الطريق. وإلى شهداء وأبطال الميدان.. من ودعناه، ومن ما زال بيننا. وإلى الحركة الطلابية والثورية والشعبية الجديدة»، ثم يسعى جاهدا إلى الوقوف على «نظرية لثورة يناير»، متطابقا مع تفاؤل كاتب مقدمة الكتاب الدكتور أحمد زايد، أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة، الذى يقول: «سوف يجنى الشباب ثمار الثورة بإذن الله، وإن واجهتهم فى ذلك عقبات وطرق ملتوية».
التميز الأول لهذا الكتاب أن صاحبه يمتلك قدرة جيدة على التنظير والتحليل، وقبلها يقف على أكتاف تجربة، سواء فى أعطاف الحركة الطلابية المصرية ونضالها عبر سنوات فى سبيل التقدم والحرية، أو كونه واحدا من طلائع ثورة يناير، الذين حطت أقدامهم فى ميدان التحرير فى يومها الأول، ولا يزال ملتصقا ومشاركا فى موجاتها المتعاقبة، التى سترسو ذات يوم على شاطئ الحرية والكرامة والعدل، مهما كانت التضحيات والجهد والعرق، وحتى الدماء.
لكن ما الدافع الذى جعل المؤلف يقدم على إخراج كتاب وضع لبنته الأولى قبل سنين؟ يجيبنا هو فى وضوح وجلاء: «عندما تعرضت الثورة المصرية لكثير من محاولات التعطيل والتخريب، وتعرض رموزها، وآليات عملهم لمحاولات التشويه القديمة؛ شعرت أنه واجب علىّ أن أعيد تقديم المشروع الذى خرج عن الحركة الطلابية والشعبية الجديدة، الذى يعبر -إلى حد ما- عن جانب من وجهة نظر هذا الجيل، ويرد على كثير من محاولات تشويه نضاله وكفاحه واجتهاده وآليات عمله».
ولذا يمد الكاتب الحبل بين تجربته الأولى والثانية قائلا: «الطريق إلى 25 يناير مر عبر محاولات كثيرة لجيل الألفية الجديدة، وجيل الحركة الطلابية والثورية التى خرجت فى عام 2000، هذا الجيل الذى تربى على المظاهرات والاعتصامات، وطبع المنشورات، وعلى كل أدوات دعم المقاومة الفلسطينية والعربية ورفض احتلال العراق. حاول الكثيرون أن يتساءلوا عن مصدر وعى ذلك الجيل، متناسين أو متغاضين عن أن هذا الجيل هو جيل الحركة الطلابية التى كسرت «نطاق السيطرة المفروض من قبل النظام القديم، وخلخلت المشهد السياسى المصرى فى لجانه الشعبية، وشكلت حركاته الاجتماعية الجديدة، واستخدمت وسائل الاتصال الحديثة، وآليات التنظيم والعمل المبتكرة، هذا الجيل الذى راكم خبرات عشر سنوات كاملة من العمل داخل الشارع المصرى، وفى لجانه الشعبية التطوعية، التى كانت تحمل تيارين رئيسيين: التيار التقليدى للحركة السياسية المعارضة، وتيار جيل الحركة الطلابية الجديدة الذى سرعان ما خرج بحركته الاحتجاجية بعيدا عن الحرس القديم فى السياسة المصرية، وبحثاً عن تغيير أكثر حزما، الثورة من وجهة نظره، وأنتجت كوادره حركة شعبية ثورية جديدة فى آلياتها».
الفكرة الرئيسية لهذا الكتاب العميق تنبع من تأمل راسخ لطبيعة السلوك البشرى، ومن ضمنه السلوك الثورى، يستخلص تراوحه بين التطبع أو التكيف وبين الرفض والتمرد. وقد لا يبدو الأمران متناقضين فى كل الأحوال، فيقال عن الأول خنوع وخضوع وركوع أو فرار وهروب وانكسار، ويقال عن الثانى شجاعة وإقدام وفروسية وبسالة وتضحية وفداء، إذ يمكن أن يكون فى التكيف قدر دفين من المقاومة والعناد الإيجابى، شريطة أن يكون خلاقا ونابعا من اختيار الناس لا من إجبارهم عليه وسحبهم إليه، وبالتالى يتجنب مثالب الانتهازية والمداراة والمجاراة والانسحاب والنفاق والمداهنة، ويؤسس لفعل ثورى ناعم ينساب بنعومة كما يجرى الماء تحت القش، وقد يمهد لفعل ثورى جامح وجائح، إن اقتضى الأمر، فى سبيل التخلص من الفساد والاستبداد، وبناء النظام العادل الحر المستقل والمكتفى.
هذا الكتاب يفتح نافذة لدراسات موسعة ومعمقة تحاول أن تبدع تنظيرا سياسيا واجتماعيا وثقافيا أو معرفيا للثورة المصرية، يرسم ملامح النموذج الذى سلكته، ويتنبأ بالآتى منها، وهو ما ينتظره الناس الآن على أحر من الجمر.
نقلاً عن جريدة "الوطن"