توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المقاطعة السياسية الناجحة

  مصر اليوم -

المقاطعة السياسية الناجحة

عمار علي حسن

تنصرف المقاطعة السياسية فى الغالب الأعم إلى مقاطعة الانتخابات، التى تعد أداة احتجاج سياسى، تتعدى مجرد الاكتفاء بإجراءات أقل من قبيل إبطال الصوت والتصويت بالنكاية والامتناع عن التصويت، تقوم بها القوى السياسية المعارضة حين يستقر فى يقينها أو تتعاظم لديها شبهات تبين أن السلطة ستزور الانتخابات، أو تزيف إرادة الأمة، بوسائل عديدة، أو أن هذه السلطة فقدت شرعيتها من ناحية الجوهر والمضمون، وبالتالى فإن دخول المعارضة لانتخابات غير نزيهة سيعطى من فقد شرعيته فرصة جديدة لا يستحقها ليجدد هذه الشرعية ولو من الناحية الشكلية البحتة. وإذا كانت الاستفتاءات تتطلب نسبة معينة للحضور يمكن للمقاطعين أن ينجحوا فى إبطال العملية برمتها إن حشدوا نسبة من المقاطعين تحرم العملية من حيازة النصاب القانونى الذى يكفى ويكفل تمريرها قانونيا. وهناك دول تتبع أسلوب «التصويت الإجبارى» ولذا فهى تعتبر المقاطعة نوعا من «العصيان المدنى»، ومن هنا قد يلجأ كثيرون فى هذه الحالة إلى تخفيض موقفهم الرافض للعملية الانتخابية، من خلال إبطال الأصوات، بترك ورقة التصويت فارغة، أو بشطب أسماء المرشحين، أو كتابة تعليقات رافضة لكل المرشحين أو للعملية الانتخابية برمتها. ويمكن أن يتم «التلويح بالمقاطعة» من أجل إجبار السلطة على الاستجابة لاشتراط المعارضة وجود ضمانات كافية للنزاهة حتى يمكنها أن تخوض غمار الانتخابات، كما يمكن أن تكون المقاطعة جزءا من خطة شاملة للاحتجاج السلمى تسعى المعارضة إلى تنفيذها، وتجد فى أيام الانتخابات فرصة للحشد والتعبئة لاسيما مع انجذاب الجمهور العريض إلى العملية السياسية، وبالتالى تصبح المقاطعة خطوة أو حلقة فى سلسلة طويلة، تسبقها حلقات وتتبعها أخرى، ويمكنها فى هذه الحالة أن تكون رافعة قوية للضغط على السلطة المستبدة أو إزاحتها لكن هذا يتطلب توافر عناصر محددة، منها: إقناع قاعدة شعبية عريضة بجدوى المقاطعة، وتنظيم شبكة اجتماعية قوية وخطة دعائية ناجعة فى سبيل تحقيق هذا الهدف، وطرح بدائل أمام الناس للمقاطعة حتى لا تتحول إلى عمل سلبى، يكتفى بالامتناع ولا يطوره نحو فعل إيجابى يحقق الغاية منه. وتكون المقاطعة ناجحة إن اتفقت عليها كل أحزاب المعارضة والحركات الاجتماعية والتنظيمات السياسية، بما يقود إلى عزل النظام الحاكم أمام الرأى العام المحلى والدولى. والمقاطعة قد تصاحبها رفض أى حوار مع السلطة وهجرها تماما ونبذها وإبداء الاستهانة بها وتجريسها أو فضح ممارساتها وتبنى خطاب سياسى مضاد لها، وقد تتخللها أشكال متدرجة من الحوار إما أنها تهدف إلى إقناع النظام الحاكم بالعدول عن الطريق الذى يسير فيه، وتراه المعارضة مضرا بالمصلحة الوطنية عامة وبالممارسة الديمقراطية والخطط التنموية على وجه الخصوص، وإما أنها تهدف إلى إحداث خلخلة فى أركان السلطة بهز تماسكها عبر إقناع شخصيات تسهم فى صناعة القرار واتخاذه بضرورة الاستجابة لمطالب المعارضة أو إبداء الامتعاض من الدائرة العليا فى السلطة، أو جذب مؤسسات داخل الدولة إلى مسار المقاطعين، بما يحرم هذه السلطة ولو جزئيا من استغلالها بكامل طاقتها فى مقاومة المقاطعة أو محاولة إفشالها أو التقليل من آثارها. وبصفة عامة تعد المقاطعة فى شتى أشكالها ومجالاتها نوعا من المقاومة المدنية أو النضال السلمى، الذى يتدرج من الغمغمة حتى العصيان المدنى، كما قد تعد صورة من صور الديمقراطية التشاركية، التى ترمى إلى حشد الشعب أو قطاع عريض منه إلى الضغط على السلطة أو تقليم أظافرها، أو تهيئته لاحتجاج واسع النطاق قد يؤدى إلى إزاحتها، أو وضعها على حافة السقوط انتظارا لوسائل أخرى أقوى تحقق هذا الهدف. من دون الأخذ فى الاعتبار كل هذا تصبح المقاطعة مسألة بلا جدوى، أو «حجة البليد»، لكن الذكى والقوى هو من يجعل من هذا الفعل ضربة قوية على رأس نظام حكم يترنح، أو رصاصة الرحمة التى تطلق على سلطة تعانى من مرض عضال لا يرجى شفاؤه، ففى النهاية: «لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها». نقلاً عن جريدة الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاطعة السياسية الناجحة المقاطعة السياسية الناجحة



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon