عمار علي حسن
تضيق صدور الإخوان بالنقد وتجفل منه نفوسهم، لأنهم يعتبرون أن من يعارضهم يخرج عن الطريق المستقيم، الذى يزعمون أن ما هم عليه يجسده ويؤكده ويرسم معالم خطاه، مختصرين الإسلام كله فى مسلكهم، ورافضين كل ما عدا هذا المسلك من تصورات وأفكار وتصرفات أخرى.
وغاية ما يؤمن به الإخوان أنهم «على صواب يحتمل الخطأ وغيرهم على خطأ يحتمل الصواب» فإن ناقشتهم وجدتهم لا يقرون حتى باحتمال خطئهم، ولا يعترفون أن غيرهم من الممكن أن يهتدى إلى الصواب. وقد تجد إخوانيا يردد أمامك قول الرسول الكريم «الدين النصيحة»، لكنه يتعامل مع ما تعتقد أنت أنه نصيحة له باعتبارها وسيلة لكسب الوقت حتى يتمكن منك أو يجذبك إليه أو يتجنب آثار اختلافك معه، فى تحايل ومواراة عجيبة.
ولو كان الإخوان يؤمنون بالنصيحة لأنصتوا إلى أصوات من بينهم آلت على أنفسها أن تراجع الذات وتنقدها فما كان نصيبها إلا النبذ والهجر والإبعاد لأن القائمين على الجماعة لا يريدون صوتا غير صوتهم يرن فى آذان الأتباع والأنصار، حتى يسيروا خلفهم فى أى شىء دون تفكر أو تدبر حول الشرعية والمشروعية والمعقولية أو حول ما يحدده «النقل» وما يوجبه «العقل»، مبايعين إياهم فى «المنشط» و«المكره» دون أدنى اعتبار لمصالح الآخرين ومواقفهم، ولا حتى مصلحة الدين والوطن.
ومن الذين انتقدوا الإخوان حين كانوا بينهم يتحملون كل ما على الجماعة من أثقال وأعباء، الأستاذ سامح عيد، الذى أضناه أن يرى السوس ينخر فى جسد «تنظيم الإخوان» ويرى العطب يسرى فى قلب «الفكرة الإخوانية»، فحاول أن يقدم النصيحة فى كتاب مهم عنوانه «الإخوان المسلمون: الحاضر والمستقبل» تحت لافتة تقول «أوراق فى النقد الذاتى» طاف فيه بحقول معرفية شتى فى الإدارة والتخطيط وعلم النفس والتربية وعلم الاجتماع والسياسة ناهيك عن الفقه، ليدق ناقوس الخطر ويضىء الإشارة الحمراء للإخوان كى يتوقفوا ويتريثوا ويراجعوا ما هم عليه، لكن الجماعة أصمّت الآذان وتجاهلت النصيحة كعادتها، ومضت فى طريقها الذى لم يزد عن الحفاظ على التنظيم «بقرتهم المقدسة» بأى شكل حتى لو كانت على حساب الدين والأخلاق والوطنية وراحة الضمير، فانتهى الأمر إلى أنهم قد حازوا الكراسى وسقطوا من عرش القلوب، وراحوا لاهثين يبنون مجدهم على الرمل أو على شفا جرف هار.
يبدأ سامح كتابه قائلا: «نحن أمام محاولة بشرية محضة مترفعة عن القداسة نحاول تحليل الحاضر واستشراف المستقبل مستحضرين النية أن يكون هذا الجهد ابتغاء مرضاة الله، راجين الله القبول والنفع»، ثم يبدأ تشريحا رقيقا رفيقا للعقم الإدارى والضحالة الفكرية والتكلس التنظيمى الذى تعانى منه الجماعة، منحازا طيلة الوقت إلى أن «نقد الذات» واجب، والانفتاح على الآخر ضرورة، والإيمان بالتعددية فضيلة، والشراكة الوطنية أمر لازم، وإيجاد أرضية مشتركة مع أتباع الأديان الأخرى ليس مستحيلا، أو كما يقول هو «إن لم تجمعنا وحدة العقائد فلتشملنا وحدة المبادئ»، وأن التواضع فريضة، فلا استعلاء ولا غطرسة، والتطابق بين الباطن والظاهر أو المعلن والممارس هو الطريق الأولى بالاتباع.
إن هذا الكتاب صرخة أطلقت عام 2000، حين ظهرت طبعته الأولى، لكنها تبددت فى صحراء التنظيم الإخوانى الحديدى ومع هذا فلا يزال بوسعها أن تصل إلى آذان بعض شباب الإخوان وبعض شيوخهم الذين روعهم هذا السقوط الأخلاقى. وإذا كان سامح عيد قد خرج من الإخوان فإن ما يحويه كتابه وما تشتمل عليه أطروحاته وكتاباته الأخرى قد يدخل ويتسرب إلى عقل الإخوان وقلبهم حتى ولو بعد حين، وهو ما يراهن عليه دوما.
نقلاً عن جريدة "الوطن"