توقيت القاهرة المحلي 06:59:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يسرى فودة

  مصر اليوم -

يسرى فودة

عمار علي حسن

حين يغيب يخسر «الصندوق السحرى»، الذى يسكب فى عيوننا الصور وفى آذاننا الكلمات، كثيرا. وحين يعود يخطف الأسماع والأبصار من كل الذين يجاورونه أو ينافسونه على عقل الناس وأفئدتهم. يجلس فى استقامة تمنحها إياه ثقته فى نفسه وعوده الرشيق ثم يميل قليلا ليقول كل شىء مفيد، ويعطى دروسا فى إتقان العمل وآداب الحوار. اليوم يعود، يطل من الشاشة الزرقاء قديما جديدا، قابضا على المعنى الذى لا يضيع أبدا بين أصابعه، وناظرا إلى الأمام فى بساطة آسرة. ينطلق بصوت خفيض هادر، ليبين لنا كيف يمكن أن يقتل الهدوء الصخب، وكيف يمكن أن يجرح خيط الحرير، وكيف يمكن للنسيم العليل أن يكنس أمامه كل هذا الركام البغيض، وكيف تكون الحروف أمانة، وكيف أن المرء مخبوء دوما تحت لسانه. اليوم، تعود شاشة من شاشاتنا الزاعقة لترفع شعار «الحقيقة ثورية بطبعها»، لكن لأن الوصول إليها صعب، يحتاج إلى جهد وصبر ودأب ومثابرة وجد وكد، يهرب الكثيرون من المضى نحوها، ويستعيضون عن هذا بالخطابة الركيكة والصراخ الأجوف والوقوف والقعود على الفراغ. وحده هو، وقلة معه، يطلقون الهمس ليهزم الضجيج بالضربة القاضية. هسيس أو هديل أو رفيف أو حفيف رهيف، لكنه مسلح بسلطان المعرفة وقوة الإخلاص وكرامات الباحثين عن الحقيقة، فيهز أركان الخرس ويسقط أمامه الصمت وتهتز كراسى الغصب والجبروت والطغيان. اليوم نجلس فى المساء ننتظر الأسمر الممشوق الذى يخرج بهدوء من شباب العمر، ليدخل فى شباب الروح، حين يقول لنا بصوته المميز: «السلام عليكم» أو «أسعد الله مساءكم» ثم يطلق عبارته الأولى التى نسجها فى عناية فائقة، ليضعها لافتة على باب يومنا، وعنوانا عريضا على فصل جديد من كفاحنا الذى يتواصل بلا هوادة ضد القبح والظلام والعفن. حين يسألنى الناس فى الأماكن التى أذهب إليها وهى كثيرة: هل يمكن أن يكون لدينا إعلام جيد؟ أرفع إصبعى وأشير إلى قمح وجهه المثلثى وأشرع فى حصد السنابل، وأضعها أمامهم عفية قوية، فيضعون أياديهم عليها مباركين الخير والصدق والاحتراف. وحين يقوم أحدهم زاعقا ويسحب العتمة وراءه وينثرها على الرؤوس قائلا: الإعلام الفاسد لا بد أن يخرس إلى الأبد. أبتسم فى هدوء وأستدعى كل حروفه، وأرتب إلى جانبها حروف الذين معه، وأرد فى ثقة: واقعكم قبيح ولن تكون صوركم جميلة، ثم أذكر اسمه فيلتزم المتقولون الصمت، ويتوهون فى شرود الخزى والخزيان، ويقفون لينفضوا عن رؤوسهم بعض ما يثقلها من ادعاء. يذهب عنا، لظروف خارجة عن إرادته، فنستوحشه، ونعد الأيام منتظرين رجوعه؛ لأننا أمامه ومعه، نضع الحرف على الحرف، والكلمة على الكلمة، فنتقدم خطوة فى طريق مستقيم نحو الحقيقة، حين ينجلى الغامض، ويكتمل الناقص، ويُختصر المسهب، ويُفسر المستغلق على الأفهام، ويُنتقد السائد، ويتحرك الراكد، ونقترب من إبداع الجديد، لنمضى على الدرب السليم. اليوم يعود يسرى فودة، فتعانق عيوننا وجهه، وتنصت آذاننا إلى حروفه المعتدة بنفسها، ونقول له عن طيب خاطر: لا أسكت الله لك صوتا أبدا أيها المحترم الجميل . نقلاً عن جريدة "الوطن" .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يسرى فودة يسرى فودة



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon