عمار علي حسن
1- صعد الإخوان إلى الحكم، وأنشأ السلفيون حزبا حاز الموقع الثانى فى مجلس الشعب المنحل، فلم يزد عدد الذين يعتادون المساجد، ولم يختف التحرش من شوارعنا، ولم يتراجع معدل الجريمة، ولم يجد الناس أى شىء يدل على وعودهم لهم بأنهار اللبن والعسل فى الدنيا، بل وجدنا «مجلس الشورى» يناقش قبل أيام «أسباب انتشار الإلحاد فى المجتمع المصرى». الموضوع جد خطير، فالراسخون فى الإيمان لا يرهنون علاقتهم بالله بأى من البشر حتى لو كانوا دعاة أو شيوخا حفظة بعض كتب قديمة يطلق عليهم أتباعهم لقب «علماء»، فليس هناك أحد حجة على الدين، بل الدين حجة على الجميع، ولا يعرف الحق بالرجال، إنما يعرف الرجال بالحق. لكن بسطاء الناس، وكثير من الشباب الذى لم يتفقه فى الدين جيدا وهذا «فرض عين»، يربط الدين بمن يقولون إنهم رموزه، فإن وجدهم شتامين لعانين سبابين انتهازيين متقلبين كاذبين همازين مشائين بنميم اهتز قلبه وارتجف وجدانه واضطربت خواطره وامتلأ رأسه بالظنون وقال لنفسه: لو كان ما يقولونه حقا وصدقا وخيرا فعلا لكانوا هم أول من عمل به وله، ولظهر عليهم، ولهذا يكفرون بهم وبمسارهم، معتقدين أن ما يقولون وما يسيرون فيه هو الدين، وليس نوعا من استغلال بغيض للدين بعد تحويله إلى أيديولوجيا بائسة، أو أداة دعائية رخيصة فى الصراع على السلطة أو التشبث بها. ولهذا أعود إلى ما قلته يوما للسلفيين حين طلب بعض شيوخهم الكبار رأيى فى دخولهم إلى السياسة: «لا تتركوا الدعوة، فعالم الدين مطلوب منه أن يعمل من أجل السمو الأخلاقى والامتلاء الروحى والعمل الخيرى أو النفع العام وليس الجرى وراء الكراسى أو توظيف ما لديه من فقه إلى لافتة يضعها أمام لجنة انتخابية».
2- فى استفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية كانت «نعم» تُدخل «الجنة»، وقبيل الاستفتاء على الدستور الذى سرقوه بليل حذر بعض شيوخ السلفيين من أن من يقول «نعم» سيدخل «النار».. . إنه التلاعب بالدين فى أوضح وأفضح صوره. لهذا قلت لصفوت حجازى فى مواجهة على شاشة التليفزيون المصرى قبل سنتين تقريبا: «نحن لا يمكن أن نخاف من الدين، لكننا نخاف على الدين منكم»، ودارت الأيام وتأكدت مخاوفى.
3- أثناء الحملة الانتخابية قدم مرسى نفسه للناس على أنه «أستاذ جامعى مرموق» و«مهندس اشتغل فى وكالة ناسا» فقالوا: هو من سينهض بنا متوسلا بـ«العلم» فوجدوه بعد أشهر من حكمه يقول لهم: «صوابع تلعب» و«قرداتى مات قرده» و«حارة مزنوقة»، وكل وعوده تبخرت وكل كلامه صار أكاذيب، ولهذا يشعر الشباب بالخديعة، ليكون الشيخ مرسى وشيوخ مكتب الإرشاد، أيضاً من الذين يتسببون فى انتشار الإلحاد.
4- أرسل لى صديق سؤالا قديما متجددا: هل انتشر الإسلام بالسيف؟ فقلت له: الإمبراطورية الإسلامية انتشرت بحد السيف كأى إمبراطورية فى التاريخ الإنسانى، لكنها كانت الأقل سفكا للدماء فى توسعها كما يقر الفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبون. أما الإسلام فلم ينتشر بالسيف بدليل أن المسيحيين ظلوا أغلبية فى مصر حتى العصر الفاطمى، والمجوس ظلوا أغلبية بعد قرون من دخول الإسلام بلاد فارس، وأكبر دولة مسلمة فى العالم وهى أندونيسيا (250 مليون نسمة) لم تصل إليها الجيوش، والإسلام انتشر فى غرب أفريقيا وشرق آسيا عن طريق التجار والمتصوفة، وينتشر الآن فى أوروبا بلا سيف، إنما بواسطة المتصوفة أيضاً. وأى مظهر لإجبار الناس على التحول إلى الإسلام ليس من الإسلام فى شىء، إنما قد يكون لأسباب دنيوية بحتة، لأن القرآن يقول صراحة: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليفكر»، ويقول للرسول (صلى الله عليه وسلم): «لست عليهم بمسيطر» و«ليس عليك هداهم».
نقلاً عن "الوطن"