توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمرد المثقفين

  مصر اليوم -

تمرد المثقفين

عمار علي حسن

يحاول الذين أتوا بوزير الثقافة من غياهب النسيان ووضعوه على كرسى الوزارة أن يصوروا الاحتجاج ضده بأنه غضبة مجموعة موظفين تقاوم من أجل مصالحها المهضومة، وتسعى إلى استعادة وضعها المميز الذى انزلقت عنه، أو أنه موقف عابر من علمانيين يكرهون الإسلام ويتحمسون للتفلت والانحلال، أو أنه محاولة جديدة من فلول نظام مبارك للكيد لمسيرة الثورة ومسار الإخوان المعوج، ومواقف أتباعهم وأنصارهم، من المغيبين والمنتفعين والمخدوعين. لكن هذه الدعاية الرخيصة لتشويه موقف المثقفين لم تعد تنطلى على أحد، لا سيما بعد أن ثبت للقاصى والدانى أن من جلسوا فوق كراسى الحكم، دون أن يكون هذا فى حسبانهم أو مبلغ أحلامهم وآمالهم، يكذبون كما يتنفسون، وأن لهم كتائب إلكترونية لا صناعة لها سوى إطلاق الشائعات، ونشر البذاءات، وتلبيس الباطل ثوب الحق، وبث الفرقة فى نفوس الناس حتى لا يتحدوا معاً، ويقوموا عليهم قومة رجل واحد فيخلعونهم كما تخلع الشوكة من الإصبع. إن معركة «الثقافة» ليست قضية الأدباء والفنانين والكتاب على اختلاف ألوان الإبداع الذى تجود بها قرائحهم وذوائقهم، وليست مجرد غضب من توسيد الأمر إلى غير أهله، أو نقل موظف هنا أو هناك، بل هى معركة كل المصريين دفاعاً عن روح بلدنا العريق العظيم، وعن جيناته الحضارية الراسخة، وقوته الناعمة السخية التى شكلت على مدار آلاف السنين جزءاً أصيلاً من رسالة مصر إلى الإنسانية جمعاء، والتى إن جرحت أو تبدلت أو خالطتها شوائب التخلف والجهل والرجعية فإن استعادتها ستكون أصعب بكثير من تعويض ما خسرناه فى مجال المال والاقتصاد. إن الثقافة ليست فقط كتباً تُقرأ، ولا شاشات عرض زاخرة بصور أفلام ملونة، ولا موسيقى تصدح بها آلات قديمة وحديثة، ولا خشبات مسرح تنطق فوقها ألسنة بنصوص متفاوتة القيمة والقامة، بل هى طرائق عيش وأسلوب حياة وموروث هائل من الفنون الشعبية التى أوجدتها القريحة الجمعية لكل المصريين وتراكمت على مدار آلاف السنين وهى جزء أصيل من حياتنا اليومية المتجددة وإلا صرنا آلات صماء أو جمادات خرساء أو حيوانات بلهاء. من هنا فكل المصريين يصنعون حياتنا الثقافية بأنواع مختلفة، وكلهم يجب أن يكونوا شركاء فى المعركة التى بدأت دفاعاً عن الثقافة. لقد تأخر أغلب المثقفين طويلاً فى أن يلقوا بأنفسهم أمام الناس دفاعاً عن هذا البلد، لكن ها قد جاءتهم الفرصة ليكفروا عن كثير من سيئاتهم ويستروا الأكثر من عوراتهم، ويثبتوا للمصريين جميعاً أنهم أول من يدفع وآخر من يأخذ، وهذا ما نادت به «حركة المثقفين المستقلين» التى كان لى شرف أننى واحد من مؤسسيها أيام حكم «مبارك» ووزارة فاروق حسنى، صاحب الحظيرة، وهى حركة كانت تؤمن بأن أصحاب الأقلام هم أول من يتقدم الصفوف، ويدفع الثمن، مهما كان فادحاً. لهذا يجب أن تدوم قومة المثقفين تلك، ليس ضد شخص عابر فى تاريخ الثقافة المصرية وبيروقراطيتها العتيدة، إنما من أجل روح مصر، التى ظلت دوماً «وثيقة من جلد رقيق الإنجيل فيها مكتوب فوق هيرودت وفوق ذلك القرآن وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء»، والتى أعطت التدين من روحها، مع اليهودية والمسيحية والإسلام، وقبلها مع «توحيد إخناتون» ومبادئ كثيرين ربما بعضهم أنبياء لم يأتِ ذكرهم فى القرآن: «منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك». ودوام هذه الانتفاضة لن يتم إلا إذا التحمت بأشواق شعبنا إلى العدل والحرية والكفاية، وبحركة الجماهير الساعية إلى الانعتاق من الاستبداد والفشل والفساد، وبكل روافد الثقافة المصرية على رقعة الوطن من أقصاه إلى أدناه. فلندعُ كل الكتاب والمبدعين من كل المدن والقرى والنجوع والكفور بالانضمام إلى هذه الطليعة التى قامت، والذود عن روح مصر وحضارتها، وليبقَ الباب مفتوحاً أمام كل من يشعر بالمسئولية الأخلاقية حيال الوطن، ليأتى ويقول كلمته فى وجه الخرس والعمى. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرد المثقفين تمرد المثقفين



GMT 20:20 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 19:55 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

مصر واليونان وقبرص.. وتركيا

GMT 15:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 15:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 08:16 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 08:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 08:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 08:10 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon