عمار علي حسن
«الناس سواسية كأسنان المشط»، هكذا يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. فالمساواة تكمل الضلع الثالث فى مثلث القيم العظيمة، حيث تشكل مع الحرية والعدالة، المُثل العليا التى يصبو البشر إلى تحقيقها منذ أول الخليقة، وهى قيمة مهمة فى حياة النظام الديمقراطى، ففى حال انحدار مبدأ المساواة بشكل طبيعى من إيمان بالكرامة الإنسانية، وحين يكون حصيلة للاحترام المطلق للاستحقاق الإنسانى، يصبح أمرا كافيا لإيجاد الديمقراطية. ولعل هذا ما كان واضحا فى أذهاننا وقت انطلاق ثورة يناير قبل أن يخطفها من لا يؤمنون بالمساواة قط، ويتوهمون أنهم فوق الناس، فى مخالفة للإسلام والإنسانية والحقيقة والواقع.
وتعنى المساواة بمفهومها العام وجود حالة من التماثل بين أفراد المجتمع أمام القانون، بغض النظر عن الميلاد أو الطبقة الاجتماعية أو العقيدة الدينية أو الثروة أو الجنس أو المهنة. وقد بيّن ابن منظور فى «لسان العرب» فى معرض حديثه عن الاشتقاق اللغوى للمساواة أن «التساوى هو التماثل.. والمتساويان هما اللذان لا ينبو أحدهما عن الآخر.. والسوية هى العدل والنصفة». لكن هناك اختلافا بين المفكرين حول «المساواة المادية»، فالبعض يرى أن تحقيق المساواة بشكل مطلق، أو طريقة رياضية بحتة، يضر بقيم الحرية والعدالة والإنجاز، ويتعارض مع مبدأ التدرج، الذى يبدو أنه يشكل قانونا طبيعيا لحياة البشر، إذ ليس من العدل أن يتساوى الناس فى العائد أو المكافأة المادية، رغم تفاوت جهودهم وعطائهم الناجم عن اختلاف قدراتهم واستعداداتهم الطبيعية، كالصحة والذكاء والاتزان العاطفى. وفى المقابل يرى البعض أن عدم تساوى البشر فى الخصائص الطبيعية، قد يكون مجرد نتيجة لعدم توافر المساواة الاجتماعية، فالصحة المعتلة مثلا تنشأ عن سوء التغذية، ويكون الذكاء المتدنى مجرد انعكاس لأمية أسرة فقيرة. ولهذا نادت الماركسية بمبدأ «من كل على قدر طاقته ولكل على حسب حاجته»، لكنها فشلت، عمليا، فى تطبيق هذا الأمر، مما يفتح الباب مجددا أمام إعادة النظر فى المفهوم العملى لقيمة المساواة.
وهنا يمكن التأكيد على أن المساواة تعنى التساوى فى مختلف الأوضاع، بما يمكن الناس من ممارسة حياتهم على أساس من تكافؤ الفرص، وليس على أساس التساوى الحسابى البحت. ولذا يجب أن يكون التساوى فى الحقوق والواجبات الإنسانية أمام القانون الذى يضبط حركة المجتمع، ويقوم على التوازن أو التراضى بين كافة أعضاء الجماعة، ويخلص لتحقيق مصلحتهم دون تمييز. أما النواحى المادية فيجب أن تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص، ومنع الاستغلال، ثم يتم ترك الناس ليحصلوا على عائد مادى يتناسب مع حجم إنجازهم، أو مقدار الجهد الذى يبذلونه، وبذلك لا تضار الحرية، ولا العدالة.
لكن هذا لا يمنع فى حال حدوث تفاوت حاد، يتعدى مسألة التدرج الطبيعى، جراء وقوع ظلم اجتماعى أو فساد سياسى واقتصادى، من التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها، حيث إن تركز الثروات القومية فى أيدى الأقلية يؤدى إلى الانتقاص من حقوق بقية المواطنين، ونكون فى هذه الحالة أمام غياب للعدل الاجتماعى، الأمر الذى يضر، دون شك، بالمصلحة العامة. من أجل هذا، سنقوم مرة أخرى فى 30 يونيو، لنرفع شعار «كلنا سواء» ونسقط من لا يؤمن به.
نقلاً عن "الوطن"