مصر اليوم
أرسل لى الكاتب والناقد الأدبى، الدكتور عهدى محمود، رسالة مهمة حاول فيها أن يحدد ما يراه مختصر تاريخ جماعة الإخوان، ونظرا لتعبير ما أرسله عن كثير مما يتداوله الباحثون الثقاة، وإجابته عن تساؤلات تشتعل فى رؤوس عوام الناس، وجدت من المفيد أن أنشر رسالته كاملة، كما وردتنى نصا، وها هى: «الإخوان المسلمون كانوا فى الموقع الخطأ طيلة تاريخهم. فى العهد الملكى حالفوا إسماعيل صدقى، أسوأ رئيس وزراء عرفته مصر، وكانوا ضد تيار الحركة الوطنية المصرية فى عمومه. حاولوا التقرب من الملك، وفى لحظة افتراق المصالح أو توهم القوة، كشفوا عن وجههم القبيح باللجوء إلى اغتيال مسئولين مصريين، ليُغتال حسن البنا رداً على ذلك. وفى عهد عبدالناصر حاولوا الاتصال بالإنجليز وخاصموا المشروع الوطنى، ولجأوا كالعادة إلى القتل فنالوا عقاباً قاسياً. وفروا إلى السعودية وغيرها من دول الخليج يتآمرون على مصر ويكيدون لها. وفى عهد السادات مدَّ إليهم يده لغرض فى نفسه، فسارعوا إليه وكانوا معه وهو يمهد لنزع مصر من محيطها العربى ويخطط لمصالحة إسرائيل منفرداً. عاونوا الرجل على تصفية التيارات الوطنية، قبل أن تأتى لحظة افتراق المصالح التى عادوا بعدها إلى القتل، لكن بيد بعض صبيانهم ومقاولى الباطن الذين صنعوهم وأطلقوهم يخربون مصر بالإرهاب الأعمى. وفى عهد مبارك، كانت صفقات ما تحت المائدة دينهم الذى لا يرضون به بديلاً، فيما صنائعهم يثخنون مصر إرهاباً وقتلاً للسياح وتفجيراً للمقاهى والمحال بروادها الآمنين. وكانت الجماعة ترضى بما يُلقى إليها من فضلات الموائد: مقاعد يقل عددها أو يزيد فى مجلس الشعب، ومجال مفتوح لـ«البيزنس» الإخوانى تحت أغطية مختلفة، وتخريب لعقل المجتمع بـ«غطرشة» من النظام الذى اعتبر نشر التخلف معاوناً له على إحكام السيطرة على مصر. وفى النهاية لم تجد الجماعة حتى المقاعد التى كانت تساوم عليها. أنقذهم شباب الثورة فى 25 يناير من ذل انتظار عطايا مبارك، فترددوا ثم التحقوا متأخراً بالركب كعتقاء مكة. وسرعان ما قادهم اللؤم المتأصل فيهم إلى التآمر مع المجلس العسكرى على سرقة الثورة. وسايرهم المشير طنطاوى المكبل بجرائر نظام مبارك، ظاناً أنه سيأكلهم بعد حين، فأكلوه بعد مقتلة للجنود المصريين تحوطها الشبهات. وحين جد الجد ارتأت الوطنية المصرية فى الانتخابات الرئاسية أن ممثل الجماعة أفضل من أن يعود نظام مبارك، فابتلعوه وجماعته بكثير من الليمون والعض على الجراح عسى أن يحفظوا للوطنية المصرية جميلاً.. ولكن هيهات. عام من الحكم لم يكن إلا مزيجاً من الفشل الذريع والكذب «القارح» ومحاولات تمكين الجماعة العاجزة على حساب الوطن، وخفض الجناح للعسكريين انتظاراً للحظة الفتك بهم، ومداهنة أجهزة الأمن التى لا تزال ظهورهم تحمل أثر أسواطها، والتكشير عن الأنياب للقضاء الذى طالما أنصفهم وحماهم من ممارسات أمن الدولة، فردوا له الجميل بإهانته واستهدافه وتشويهه. خصوا بالكراهية رموز الوطنية المصرية وشرفاءها، وحالفوا الفلول واستوزروهم، وخطبوا ود رجال الأعمال الهاربين. ولما طالت القائمة وفاض الكيل بالشعب قال كلمته، وانحاز لها الجيش، فى خطوة فعلها بحذافيرها من قبل، وهلل لها الإخوان وأنصارهم. أصاب فقدان السلطة الجماعة بالسعار، ولم يجدوا غير التهديد بحرق مصر سبيلاً، وجعلوا أكبر همهم تعطيل مسيرة الوطن الذى يحاول النهوض من كبوته. هددوا وأرغوا وأزبدوا وقتلوا المتظاهرين وأطلقوا جماعات القتل فى سيناء، غير آبهين بنتائج ما يفعلون، ودعوا الغرب إلى التدخل فى مصر.. والقائمة تطول. أليس هناك جزء لم يتلوث فى الجماعة التى يحيط بها الخزى من كل ناحية؟ ألا تستيقظ فى نفوسهم بقايا وطنية نرجو أن تكون قد بقيت؟ هل من أمل فى أن يراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان؟
لقد انطوت الصفحة على أى حال. وهذا «السُّعار» الذى يقودهم يزيد من ثقل حسابهم، ويكشف حقيقتهم أكثر أمام المصريين الذين سيتصرفون هم معهم بأسرع وأشد مما قدروا، ولن ينسوا لهم جرائمهم التى يندفعون إليها على وقع الخيبة وجنون السقوط».
نقلاً عن جريدة "الوطن"