توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشريعة وحقوق الفقراء

  مصر اليوم -

الشريعة وحقوق الفقراء

مصر اليوم

أرسل لى الكاتب المغربى الأستاذ جمال الدين المغربى مساهمة مهمة بدأها قائلاً: «تشرفنى مراسلتك، بعد أن تابعت العديد من حواراتك، وأتفق مع العديد من آرائك، وأتمنى أن تقرأ هذه المساهمة، التى أعتقد أنها ستنال اهتمامك». وما أرسله «المغربى» ينطوى على رؤية عميقة لما يجب أن يكون عليه ممارسو السياسة من المنتمين إلى الحركة الإسلامية، ويفهمون أن الشريعة حقوق قبل أن تكون حدوداً، وأن الانشغال بتوفير حد الكفاية للناس من غذاء وإيواء ودواء وكساء وتعليم وترفيه أولى من الانشغال بمسائل شكلية عن الزى والطقوس. ونظراً لحيوية الموضوع وضرورته الآن أنشر هنا الرسالة كاملة كما وردتنى: «كان الثائر العظيم بشير الرحال يجمع الفقراء والمهمشين والمضطهدين فى المساجد ويحاول تنظيمهم وتوعيتهم بحقوقهم والنضال لأجل انتزاعها من السلطة الظالمة. وعندما كان يأتيه متسول لم يكن «بشير» يقول له: ارضَ بما قدر الله لك أو يعطيه بعض دريهمات تبقيه وتعوده على الذل والمسكنة، بل كان يقول له ما معناه إن لك حقوقاً عند السلطان فاجمع الناس لننتزع لك حقك. وكان بشير الرحال واعياً بخطورة المؤسسة الدينية الرسمية ودورها المحورى فى تبرير الظلم وتخدير الناس فكان دائم اللعن لها والهجوم عليها. وظل بشير الرحال على هذا النهج الثورى الرائع حتى استشهد مع رفاقه فى موقف بطولى عظيم فى ثورة النفس الزكية. ولمن أراد القراءة أكثر عن مواقفه وآرائه فيمكنه العودة لكتاب المحنة لفهمى جدعان فهى مذكورة فيه. لكن سؤالى هو عن سر وجود وعى سياسى واجتماعى ثورى متقدم عند شخصيات إسلامية من القرون الأول والثانى والثالت، ليس فقط بشير الرحال بل الكثير جداً مثل غيلان الدمشقى وعمر بن عبدالعزيز وأبوحنيفة النعمان وأبوبكر الأصم وأبوبلال المرداس وعبدالله بن أباض وزيد بن على وأبوحمزة الشارى وصولاً إلى أبى ذر الغفارى وسلمان الفارسى وعلى بن أبى طالب، بل وبكل تأكيد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. لماذا عند كل هؤلاء تعتبر الحقوق والقضايا الاقتصادية والاجتماعية هى مسائل جوهرية أساسية تستحق التضحية بل والقتال من أجلها. بينما عند الحركات الإسلامية المعاصرة فإن الإسلام بالنسبة لها فى الممارسة الواقعية -وليس الشعارات الخاوية- هو فقط قضية هوية ثقافية مرتبطة بالعادات والسلوك والزى، أما حقوق الفقراء وحقوق المضطهدين فهى مسائل ثانوية. لا أتكلم عن الاستثناء مثل على شريعتى أو محمود طالقانى أو الأفغانى أو عبدالوهاب المسيرى، أو حتى سيد قطب فى مرحلة معينة من حياته عندما كتب معركة الإسلام والرأسمالية، بل أتحدث عن الفكر والممارسة السائدة اليوم فى غالبية الحركات الإسلامية، التى برغم حديثها الدائم عن أن الإسلام دين ودولة واقتصاد واجتماع.. إلخ، ولكن فى الممارسة العملية فإن الإسلام الذى يمارس فى أحسن الحالات هو فقط هوية ثقافية، أما فى السياسية والاقتصاد والاجتماع فلا تنظير ولا نقد ولا ممارسة جدية عميقة ولا شأن لها بأن يجوع من يجوع أو أن يعرى من يعرى أو يصير آلاف الأطفال والفتيات والمستضعفين رقيقاً جدداً عند الأغنياء بسبب الحاجة والفاقة. علماً بأن من يقبل بالنمودج الاقتصادى النيوليبرالى القائم -وأغلب الحركات الإسلامية خصوصاً التى تسمى نفسها معتدلة تقبل به واقعاً- فعليه أن يقبل أيضاً بالتجهيل والدعارة وتجارة الجنس والفساد بكل أنواعه، لأن الرأسمالية الجديدة أو ما أسميه بالرأسمالية الشمولية -وهى غير رأسمالية دولة الرعاية الاجتماعية التى سادت خلال مرحلة معينة من القرن العشرين لأسباب لا مجال لذكرها الآن- تعنى إخضاع جميع مجالات الحياة من سياسة وتعليم واقتصاد طبعاً وفن واجتماع.. لمنطق الربح وأن تكسر كل الحدود والقيود من أجل الرأسمال. فمن يقبل بنمودج كهذا لا يأتى بعد ذلك يبكى ويشتكى من انتشار العرى والفساد الأخلاقى وووو فأنت قبلت نظاماً اقتصادياً-اجتماعياً لا يمكن أن ينتج إلا هذا. ومرة أخرى أقول للإسلاميين عودوا للسلف الذى تتكلمون عنه ستجدون العديد من النصوص التى تؤكد الارتباط بين أخلاق الناس وبين نمط معيشتهم الاقتصادى والاجتماعى، فلمادا تتجاهلون كل هذا؟». 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشريعة وحقوق الفقراء الشريعة وحقوق الفقراء



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon