توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورة يوليو.. ما لها وما عليها

  مصر اليوم -

ثورة يوليو ما لها وما عليها

عمار علي حسن

مع أننى ولدت بعد ستة أشهر من هزيمة يونيو ٦٧، فقد ظل ما بينى وبين ثورة يوليو عامراً بمجانية التعليم وجودته، والأرض البراح الخصبة التى امتلكها فلاحو بلدى، فزرعوا وحصدوا وسعدوا بأيامهم، فردموا فى ذاكرتى الكثير من حكايات جدى عن السادة الملاك والعبيد الأجُراء. للوهلة الأولى لا يستطيع أحد أن ينكر أن الفترة من ١٩٥٢ حتى ١٩٧٠ فى تاريخ مصر شهدت تحولات اجتماعية فارقة، أعيدت على أثرها صياغة التركيبة الطبقية، وعناصر البيروقراطية، ونشأت فئة من التكنوقراط الجدد، فى ظل اتجاه إلى تعميق التصنيع وزيادة الغلة الزراعية وتنظيمها عبر مشروع السد العالى العملاق، بالتزامن مع بناء ركائز أخرى للقوة، منها العسكرى والعلمى والثقافى. ولا يستطيع أحد أن يتجاهل أن ضباط يوليو تمكنوا من نيل إعجاب الغالبية الساحقة من الجماهير المصرية، فى إقدامهم على تلك الخطوة الشجاعة، التى جبنت وقتها قوى أكبر منهم بكثير أن تقوم بها، وكذلك فى الشعارات العامة التى رفعوها فى بداية الطريق، وفى تجرد القيادة السياسية ونزاهتها وطهارة يدها ووطنيتها وخيالها السياسى الطموح، الذى أراد مصر مستقلة لا تابعة، حرة لا مستعمرة، صاحبة دور إقليمى وعالمى، لا منكفئة على ذاتها فى انعزال ممقوت. إلا أن هذا «العدل الاجتماعى» وذلك الدور الخارجى الكبير تمت مقايضته بالحرية السياسية، أو الديمقراطية، أو «العدل السياسى» وهى مسألة ثبت خطؤها التاريخى، وقادت فى خاتمة المطاف إلى إزاحة ما حققته «الثورة» من عدل بقرار فوقى سريع، تم اتخاذه بعد رحيل عبدالناصر بأربع سنوات فحسب، وهو قرار الانفتاح الاقتصادى، الذى بدا الآن «حقاً أريد به باطل»، فأدى بعد سنوات من تطبيقه إلى إلقاء مصر فى فلك التبعية الاقتصادية الكاملة، والتبعية السياسية الجزئية، وفتح الباب على مصراعيه أمام انهيار القيم، وتفسخ العلاقات الإنسانية، وموت الحلم الجماعى. إن الإنجازات الاجتماعية الكبيرة والقومية المخلصة الطموحة للثورة تذوى ويختنق زخمها الثقافى الفياض مع اتساع رقعة التهميش الطبقى وانحسار الدور الخارجى أو انكساره وصعود فكر الاستهلاك وقيمه المفرطة فى الأنانية وتقديم المعدة على الدماغ والشهوة على الكرامة، وشيوع حالة من الميوعة والترهل والفساد لتصيب المؤسسات بمختلف ألوانها واهتماماتها وتفاوت تواريخ نشأتها وأهميتها وموقعها من عمليات التفاعل الاجتماعى والسياسى والنشاط الاقتصادى والمالى والرؤى الثقافية والتصورات والاعتقادات الدينية. قبل ثورة يناير 2011 لم يكن قد تبقى لنا من ثورة يوليو شىء سوى الذكريات المفعمة بالحنين، وبعض جمل عابرة فاترة لا يعنيها من يقولونها، عن الانحياز للبسطاء ومحدودى الدخل، والزيارة السنوية لضريح عبدالناصر، وكتب بعض المؤرخين، وحديث ساسة وقادة وكتاب كبار عن هذه الأيام بألسنة معتقة بالمرارة، من كان معها يرثيها، ومن كان عليها يلعنها. لكنّ هناك كثيرين يقولون بملء أفواههم: كان يجب على ثورة يوليو أن تدافع عن نفسها، ولو فعلوا ذلك ما قتلها قرار فوقى مهما كانت سطوة صاحبه، أما الأغلبية الكاسحة من المصريين المشتبكين فى صراع يومى لتحصيل «لقمة العيش» فلم يعد يعنيها الوقوف على الأطلال، بعد أن جفت المآقى من طول البكاء. والآن قامت ثورة فى يناير 2011، أعقبتها احتجاجات عديدة، ثم موجة ثانية لها فى يونيو الماضى، ولا يزال العدل الاجتماعى غائباً، والشباب مبعداً عن القرار، والمخاوف من التضييق على الحريات العامة والفردية قائماً، وإن استمر هذا الوضع السيئ، فلن يتقدم بلدنا إلى الأمام. نقلاً عن جريدة " الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة يوليو ما لها وما عليها ثورة يوليو ما لها وما عليها



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon