توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من القبيلة إلى «الفيس بوك»

  مصر اليوم -

من القبيلة إلى «الفيس بوك»

عمار علي حسن

انشغلت كثيراً فى تأمل ما جادت به مواقع «التواصل الاجتماعى» على الذين ثاروا فى بعض بلاد العرب، لكننى قلت فى اليوم الرابع للثورة المصرية إن الذى صنع التحول هو «الناس بوك» وليس «الفيس بوك»، فنزول الملايين إلى الشوارع يوم «جمعة الغضب» جعل للخطوة الأولية التى أطلقتها «الطلعية الثورية» على «الشبكة العنكبوتية» معنى، ومنحت أصحاب «الرؤية» ما كانوا يفتقدونه على مدار سنوات من «قدرة»، ثم أكسبتهم بالتتابع «شرعية»، لم تلبث أن تسربت من بين أيديهم حين انحرف الأمر عن مساره، وفسد كل شىء إلى حين. قبل الثورة المصرية بسنوات، أصغيت إلى د. جمال مختار وهو يعرض كتابه الملون الذى سماه «حقيقة الفيس بوك: عدو أم صديق؟»، أيامها لم أكن قد أنشأت صفحتى عليه، وكان شيئا جديدا مثيرا غريبا ومخيفا فى آن. كانت مقدمة الكتاب الذى أعد على عجل ليواكب لهفة الأسئلة عن هذا الزائر الجديد كاشفة لما يدور فى رأس مؤلفه، إذ قال: «فجأة، اقتحم حياتنا الفيس بوك، وبدون أى مقدمات أصبح شيئا أساسيا فى النظام اليومى لعدد كبير منا. أكسبنا معرفة بناس جدد، ورجع إلينا صداقات قديمة وزملاء دراسة تخيلنا أننا لن نراهم أبدا. تسلينا به كثيرا وتسلى بنا أكثر. ولم ندرك مدى خطورته أو الغرض من إنشائه، لكن سمعنا الكلام ونفذنا التعليمات دون مناقشة، أنشأنا صفحات ومجموعات صداقة وتبادلنا ملفات ومعلومات، واستفدنا منه، لكن هناك من استفاد أكثر حين حولنا إلى أداة لتنفيذ رغباته دون أن نشعر». وما أتذكره جيدا الآن أن المؤلف لم يدر بخلده أبدا أن هذه الوسيلة ستمنح شباب مصر فرصة لبناء شبكة اجتماعية فى العالم الافتراضى افتقدوا تواجدها فى دنيا الناس، ليستخدموها فى بناء «طليعة ثورية» أطلقت الشرارة الأولى، فسرى الغضب كما تسرى النار فى الهشيم، وهى المسألة التى رصدها الباحث جمال غيطاس فى دراسة مهمة عن أثر الفيس بوك على ما شهدته مصر فى يناير 2011. وبعد الثورة قرأت أخبارا عديدة عن كتاب جديد ومختلف فى الموضوع ذاته للدكتور جمال سند السويدى، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعة الإمارات، أعطاه عنوانا لافتا هو: «من القبيلة إلى الفيس بوك: وسائل التواصل الاجتماعى ودورها فى التحولات المستقبلية»، لأجد فيه إجابة عن بعض الأسئلة التى تدور فى رؤوسنا جميعا ونحن نلهث أمام الحاسوب على صفحات إلكترونية محتشدة بالأسماء والصور الحقيقية والتعبيرية والأخبار والمعلومات والشائعات والمقاطع المتلفزة والرسوم الكاريكاتورية. ويحدد المؤلف منذ الصفحات الأولى دافعه لتأليف هذا الكتاب، قائلا: «أردت إطلاق صيحة تنبيه كاشفة لما رأيته من إيجابيات وسلبيات تطرحها علينا تكنولوجيا الاتصال مع بزوغ شمس كل يوم جديد» ثم يمضى طارحا وشارحا عناوين عديدة تبين مفهوم ودور وسائل التواصل الاجتماعى، ويبرهن على هذا بالأرقام والرسوم البيانية، بعدها يضع المسألة فى سياقها من خلال استعراض سمات عصرنا الذى ولد فيه «الفيس بوك» وإخوته، وكيف تطورت هذه الأداة بمرور الوقت لتزداد سرعة واتساعا وإبهارا وتأثيرا فى حياتنا الراهنة، وكيف تركت بصمة جارحة على وسائل الإعلام التقليدى المقروءة والمسموعة والمرئية، تارة من خلال تبادل المنافع، وطورا عبر المنافسة المفتوحة بلا روية ولا هوادة.. ولا يتركنا حتى يقلّب أمامنا صفحات أخرى عن الإشكاليات القانونية المترتبة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، ثم يسعى إلى التنبؤ بمستقبل هذه الوسائل ومستقبلنا نحن معها. ويفتح الكتاب آفاقا جديدة للتفكير فى القضية التى تشغل علماء السياسة والاجتماع والأنثربولوجيا منذ زمن حول دور التحديث والحداثة فى تفكيك أو تحلل البنى الاجتماعية التقليدية عبر تغيير أنماط القيم السائدة فى بعض المجتمعات المغلقة والمعزولة. إن الخائفين على «الهوية» و«الخصوصية» ملأوا الدنيا ضجيجا وأنينا من أن فرادتهم ومواطن تميزهم وموروثهم الحضارى والثقافى فى خطر داهم، بفعل سرعة الاتصالات وتدفق المعلومات والقيم بشكل غير متوازن من الشمال إلى الجنوب، وبلغ التوجع مداه مع ظهور «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، بل تجدد فى ركابها الحديث المسهب عن المؤامرة، لكن ما حدث فى الحقيقة أن هذه الوسائل أتاحت لأصحاب الخصوصيات تلك من عرضها على العالم بطريقة ميسرة وغير مكلفة، بل أعطتهم ما كان فى الماضى فوق طاقتهم. ويحذر الكتاب من الزلزال الذى ستحدثه وسائل التواصل الاجتماعى، باعتبارها أحد تجليات العولمة الثقافية والتقنية فى تصوراتنا عن الدولة والسيادة والمواطنة والمسؤولية الإعلامية، وتقديرنا للاعبين السياسيين الجدد، ومنهم نشطاء الإنترنت الذين بات بوسعهم أن يشكلوا الرأى العام المحلى، ويفرضون تحديا أمام السلطات يدفعها إلى البحث عن سبل مختلفة فى الرقابة والتحكم والمتابعة، حتى لا يفلت الزمام من أيديها. ولم يقتصر الكتاب على الجوانب النظرية، إنما عزز مسار البرهنة بضرب الأمثلة وعرض الإحصاءات، وقد يكون مفيدا فى طبعاته التالية أن يضيف فصلا يحوى دراسة ميدانية على عينة ممثلة من الشباب فى دولة الإمارات، يجاب فيه عن الأسئلة الرئيسة التى طرحها والافتراضات التى انطلق منها، وفصلا آخر يحلل فيه المضامين الواردة فى صفحات الكثير من هؤلاء الشباب، للوقوف على ما يتداولونه من معلومات وما ينشرونه من قيم وتوجهات وما يتصورنه عن الذات والعالم. نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من القبيلة إلى «الفيس بوك» من القبيلة إلى «الفيس بوك»



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon