عمار علي حسن
ما يفعله الإخوان الآن لا يزيد على خلق «مظلومية جديدة» يسوقونها هذه المرة إلى العالم بأسره، بعد أن سوّقوها فى مصر عقوداً من الزمن، واستعطفوا بها الناس، فصمتوا عن سرقتهم لثورة يناير العظيمة، وصوتوا لهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وأعطوهم السلطان كاملاً. ومن أسف، فإن هذه المظلومية تُصنع بسكب الدماء غزيرة على أسفلت شوارع ساخنة لمصريين من الإخوان وغيرهم، وفى ركاب ترويع الآمنين وقطع الطرق والتضييق على الناس، واستعداء الخارج على الداخل، والغرب على مصر.
يدرك قادة الإخوان المعتصمين فى تقاطع «رابعة» بمدينة نصر أو أمام جامعة القاهرة أن عودة محمد مرسى إلى الحكم مستحيلة، لا سيما بعد أن خرج عشرات الملايين من المصريين يوم 26 يوليو ليفوضوا الجيش فى التصدى لكل من يرتكب فعلاً إرهابياً، لكنهم يحشدون أنصارهم، ويلحون على وجودهم الدائم، ليصنعوا بهم المظلومية، التى تنطوى على «بكاء على أطلال السلطة» و«استعادة الشعور بالاضطهاد» وممارسة «المازوخية السياسية» فى حدها الأقصى، والحديث عن «مؤامرة» عليهم، مع أن أول من تآمر على «مرسى» هو مكتب إرشاد الجماعة، الذى قيده وسيّره كيفما شاء وأبعده عن أن يكون رئيساً لكل المصريين ليبقيه مجرد «الأخ مرسى مسئول شعبة الرئاسة»، ومع أن الإخوان نسجوا خيوط المؤامرة على الكل منذ تنحى حسنى مبارك، وتصوروا أنهم سيخدعون الجميع إلى النهاية، ويحصلون على كل شىء، وكانوا أداة لمؤامرة أمريكية كاملة على بلادنا وبلاد العرب أجمعين، وهى مسألة تتكشف خيوطها الآن جيداً.
وهذه المرة لا يخاطب الإخوان الداخل فقط، بل يصدرون المظلومية إلى الخارج لينقذوا تنظيمهم الدولى حتى لو جرى الدم أنهاراً، وهذا هو بيت القصيد من كل ما يفعلونه الآن ويستخدمون فيه كل الوسائل حتى لو تحالفوا مع الشيطان. فالتنظيم الذى سقط أصله وأساسه عن السلطة فى مصر ها هو يترنح فى ليبيا وتونس وينزعج بشدة فى تركيا وتتراجع فرصه فى الوصول إلى السلطة بسوريا الجريحة، بعد أن ظن أن هذه اللحظة التاريخية السانحة لينتقل من «الصبر» إلى «التمكن» وفق أدبياته الفكرية المعروفة، وعليه أن ينتهزها بأى طريق حتى لو تحول الإخوان إلى «جماعة وظيفية» فى يد مشروع هيمنة جديد للولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد.
إن صور الجثث المرصوصة فى مشهد يدعو للأسى والأسف، وصور الأطفال المرتدين أكفانهم، والنساء اللاتى يتقدمن صفوف المظاهرات، والإفراط فى الحديث عن الخديعة والمؤامرة والانقلاب، وسيلة مهمة لصناعة تلك المظلومية أو الكربلائية الإخوانية، بقدر ما هى وسيلة مهمة للحفاظ على تماسك تنظيم الإخوان، فلو صارح القادة أعضاء الجماعة وقواعدها بأن طوفاناً بشرياً قد فاض فى الشوارع ليسقطهم عن الحكم لتزعزعت ثقتهم فى أنفسهم، وساورتهم شكوك حول مصداقية وأخلاقية وقوة مسارهم الفكرى والتنظيمى، ولذا فالأفضل بالنسبة للتنظيم، البقرة المقدسة للإخوان، أن يتحدثوا عن اضطهاد جديد ومظلومية أخرى.
نقلاً عن جريدة "الوطن "