توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيدك يا مصر

  مصر اليوم -

عيدك يا مصر

عمار علي حسن

  يوم تعودين سيدة الأمم، ومنارة الإنسانية، يمتد علمك إلى المشارق والمغارب، ويمتد بأسك إلى من يفكر أن يرميك بسوء، ويمتد خيرك إلى كل من ينتظر منك العون، وترتفع قامتك حتى تضرب السحب العفية، فتسقى أرضك الطيبة، فينبت القمح والنخل والورد، وتفيض خفة ظل شعبك على كل المحزونين، فيتعافون على جراحهم ومتاعبهم، وتجتث حكمتك كل الأشواك التى تنبت فى رؤوس الحمقى، الذين لم يعرفوا قدرك، ولم يرفعوا شأنك، وظنوا أنك ملك يمينهم، وأن أهلك عبيد لهم، وثرواتك، التى طالما نهبها الغزاة والطغاة والجباة، هى من تركاتهم. عيد يا مصر.. يوم أن يرحل كل ظالم متكبر متجبر أو إرهابى، نصير الظلام عدو النهار، ويوم أن تضع حرب القلة المحتكرة ضد الشعب أوزارها، وتخمد شهوة المرابين وآكلى السحت ومستبيحى المال العام، الذين يستحلون عرق الفلاحين والعمال والموظفين، ويلهثون وراء اكتناز الثروات الطائلة بأى طريقة، ولا يخفق لهم قلب أو يهتز لهم جفن لمن يبيتون على الطوى، ومن يأكلون من صناديق القمامة، ومن يشترون أرجل الدجاج لتطعمهم، ومن تزهق أرواحهم وتهان كرامتهم أمام أفران الخبز، ومن يموتون على البلاط البارد فى المستشفيات الحكومية، انتظاراً لدورهم، الذى قد لا يأتى أبداً، ومن يسقطون صرعى أمام مكاتب البريد وهم يسعون لصرف معاشاتهم الضئيلة. عيدك يا مصر.. يوم يستيقظ كل طفل، فيجد فى انتظاره بيضة وكوب لبن وقصة ولعبة وابتسامة أم راضية وضحكة ترقص فى عيون أب يراه كل يوم، لأنه يعمل فترة واحدة، ويوم يجد جميع المصريين فى أدنى البلاد وأقصاها كل ما يوفر لهم حد الكفاية من غذاء وكساء وإيواء ودواء وترفيه، ويوم أن تتسع المساحات الخضراء على ضفتى النيل العظيم، ويتناثر على أرضها فلاحو الزمن الجديد، يزرعون ويحصدون، ويدوسون بأقدامهم على أعناق محترفى تسقيع الأراضى، وعشاق غابات الأسمنت، ومهربى الآثار، ويوم أن تزمجر آلات المصانع فى كل مكان، ويخرج من بطونها من يكفينا فى كل شىء، ويفيض فيموت العجز فى ميزان تجارتنا، ويكون لنا فضل على سائر الأمم، كما كان فى عصرنا الزاخر. عيدك يا مصر.. يوم يجف مداد الأقلام المأجورة والمنافقة، ويبصق أصحابها على وجوههم حين يطالعونها فى المرايا، ثم يجلسون على المقاهى يروضون الوقت، ويعضون أصابع الندم على ما فرطوا فى جنب الله والشعب والحق والحقيقة، ويتحسرون على كل لحظة قضوها فى مدح المستبدين، والدفاع عن المفسدين، وتبرير سياسات وسلوكيات، الذين لا يراعون فينا إلًّا ولا ذمة، وكل برهة تغاضوا فيها عن أفعال السلب والنهب والمطاردة والملاحقة والسجن والتعذيب، وكل حرف كتبوه على غير مقتضى الحال، من أجل كراسى ينخر فيها السوس، ومناصب زائلة، ولحظات تذوب، وذنوب تبقى. عيدك يا مصر.. يوم تمتلئ المساجد والكنائس بالمصلين، ويتوارى تجار الدين خجلاً، ويبتعد محترفو السياسة عن دور العبادة، وتقوى الأحزاب، فلا تكون هناك حاجة إلى بابا أو إمام، شيخ أو قس، كى يرتدى ثوب الزعامة، فيخرج على الدور الأصيل للدين فى الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى، ويدخل إلى دور الساسة فى الدفاع عن الحقوق الاجتماعية، ويوم تختفى كل القوانين الاستثنائية والسالبة للحريات العامة، حرية التفكير والتعبير والتدبير، وتتحرر النقابات العمالية والمهنية، والجمعيات الأهلية، من قبضة السلطة، والقوانين الظالمة، وتختفى كل ألوان القهر والجور، وكل أشكال الزيف والتلاعب والتحريف، وكل أنواع التمييز على أساس الطبقة والمهنة والدين ولون البشرة والموقف السياسى، وكل الأسوار التى تحز الغلابة عن المترفين. عيدك يا مصر.. يوم تعود مدارسك لتبنى العقول وتربى النفوس وتصنع الرجال، وتضج مكتباتك العامة بالباحثين وطلاب العلم، وتزخر معاملك بالتجارب الخلاقة، ويوم تمتلئ المسارح بالرواد، وواجهات السينما بأفيشات الأفلام المبدعة الجادة الرائعة، وليس أفلام زمن الانحطاط والاستخفاف والاستعجال والترخص، ويوم تقذف المطابع إلينا بعشرات الآلاف من العناوين المهمة والجادة والمفيدة كل سنة، فى العلوم والآداب والفنون، فى الطبيعيات والإنسانيات، فى المنهج والنظريات والإجراءات والتطبيقات، من دون مراقبة ولا مصادرة. عيدك يا مصر.. يوم يؤمن الناس بأن مصر لا تستحق منا أن نصمت حيال من يدمرها ويخربها، ويمتص رحيقها ويتركها قشة جافة يضربها الريح. يوم يتحقق كل هذا سنقول بملء القلوب والعقول والأفواه: مصر اليوم فى عيد.. . وكل سنة وأنتم طيبون. نقلا عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيدك يا مصر عيدك يا مصر



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon