توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتحار الإخوان

  مصر اليوم -

انتحار الإخوان

عمار علي حسن

  .. وانتحر الإخوان حين ظنوا أن مصر الكبيرة العريقة يمكن أن تدخل طيعة خانعة فى عباءة جماعتهم الضيقة المهترئة الخشنة الرخيصة، فلا الجماعة لديها من سعة الفكر وعمق التصور ومرونة التصرف ما يجعل بوسعها أن تستوعب كل هذا الزخم الشعبى والقيم والثقافات والتقاليد المتوارثة والطبقات الحضارية المتتابعة والمطالب المتنوعة للمصريين، ولا مصر بوسعها أن تتصاغر وتتضاءل لتدخل طيعة فى عباءة أو فم أضيق من ثقب إبرة، يخفق فى أن يرد عن الإخوان هذا السيل العرم من أفعال وأقوال تقوضهم وتصيب تنظيمهم من أطرافه وفى قلبه. فالإخوان يعرفون عن «عبس» و«ذبيان» أكثر مما يعرفون عن «تحتمس» و«أحمس» ويحفظون تاريخ «ثعلبة» و«بلتعة» لكنهم لا يفقهون شيئاً عن «إخناتون» الذى نادى بالتوحيد، ولا «متون الأهرام» التى حوت نصائح عميقة وعظات خالدة تشبه «الوصايا العشر»، ولذا ليس بوسع الجماعة ولا بمكنتها أن تدرك طبيعة البلد الذى قُدّر له أن تنشأ فيه، وتتمدد فى أعطافه، حتى تصل إلى أعلى هرم للسلطة به. وهذا الجهل بمصر وقيمتها ليس ابن هذه الأيام لكنه صاحب ميلاد الإخوان، إذ كان مؤسس الجماعة يفاضل بين عدة دول ليطلق فى أى منها دعوته، واحتار فى البداية بين اليمن ومصر، لكنه اختار الأخيرة، لعوامل تخص الأمن والحسابات المصلحية الضيقة أكثر مما تخص استيعابه لقيمة البلد ومكانته. وهكذا استمر نظر الجماعة إلى الوطن، حتى وجدنا مرشدهم مهدى عاكف يقول ذات يوم: «طز فى مصر» ويعترف بأنه لا يجد أى غضاضة فى أن يحكم بلدنا شخص من ماليزيا أو غيرها من البلدان الإسلامية. ووجدنا شباب الإخوان يهرولون نحو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان فى أول زيارة لمصر بعد الثورة ليستعيدوا معه أيام «الإمبراطورية العثمانية» التى استنزفت مصر ونزحتها وأخذت كل مفيد فيها ولم تعطها شيئاً، لا علم ولا حرية ولا حتى حماية للشعب المصرى الذى تركته يرسف من جديد تحت حكم المماليك، وكلاء وأعواناً لآل عثمان. وانتحر الإخوان حين ألقوا بكل أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة، متناسين المثل المصرى العبقرى الذى كانوا يرددونه هم أنفسهم أيام حكم مبارك «المتغطى بالأمريكان عريان»، وراهنين إرادة بلدنا واستقلال قراره لصالح توجهات واشنطن ومصالحها، ليتحولوا بالنسبة لها إلى «كنز استراتيجى بديل» بعد رحيل «كنز مبارك»، ويتصرفوا وكأن كل شىء سيصبح طوع بنانهم ووفق مشيئتهم ما دام «الكفيل الأمريكى» راضياً عنهم، ولا ينشغلون بسخط المصريين ولا غضبهم، ولا تقريعهم للجماعة ونعتها بخيانة الثورة وافتقاد الكفاءة فى إدارة الدولة، لأن غاية ما يشغلهم هو رضى أمريكا التى ساعدتهم على الوصول إلى الحكم، متناسين أن من انتخبهم هو الشعب المصرى، وساعين إلى تغيير قواعد اللعبة وشروط الانتخاب والاختيار وكل العناصر التى تؤثر فيه حتى يصبح رأى الشعب وتوجهه فيما بعد غير ذى جدوى. وهى الطريقة نفسها التى كان يفكر ويتصرف بها مبارك حتى وقع فى شر أعماله. وينتحر الإخوان حين يهتمون بالخارج عموماً، فيخاطبونه ويراسلونه شارحين له ما يجرى لهم، وواقفين ليبكوا على أعتابه، خالقين أمامه «مظلومية جديدة» أغلبها مصطنع وأكثرها تمثيل فى تمثيل، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الوقوف أمام الشعب المصرى ليستعرضوا أمامه هو، مصدر السلطات ومنشئ الإرادة، كل شىء، ويعتذروا له هو عن كل ما بدر منهم من أفعال سيئة من قتل وسحل وتعذيب وتعويق لمسيرة الثورة. وانتحر الإخوان حين رأى الناس هذا التناقض الرهيب فى موقفهم من الصراع العربى الإسرائيلى، ما بين «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود» قبل الثورة إلى رسالة محمد مرسى الحميمة لنظيره شيمون بيريز بعد أن وصلوا إلى الحكم التى يقول له فيها «صديقى العزيز جداً». ومن كلام قادتهم عن «الصهيونية» على مدار ثمانين سنة إلى دفاع عصام العريان عن «حق العودة» لليهود إلى مصر، وهو يعلم أنهم لن يعودوا لكنهم سيستخدمون قوله هذا فى طلب تعويضات رهيبة من مصر، لا يشغل الإخوان كيف ندفعها، إنما ما يشغلهم أن ترضى عنهم تل أبيب وتقول لحلفائها فى واشنطن: اتركوهم فى الحكم وساعدوهم فهم لنا ورهن إشارتنا. والمسألة هنا لا تقف عند حدود إسرائيل، ولا «القضية الفلسطينية» بوصفها قضية العرب المركزية، إنما هو مجرد مثال صارخ على إمكانية حدوث انقلاب تام فى السياسة الخارجية لجماعة الإخوان، لاسيما أن من يدير دفتها، ليس من وصل إلى الرئاسة، ويعتبرونه مجرد رئيس شعبة من شعب الجماعة، إنما مكتب الإرشاد كله، الذى يتحكم فى مقاليد الأمور، ومعه العناصر النشطة فى «التنظيم الدولى» للجماعة، والذين أحاط بعضهم بمرسى، وأسندت إليه مهام خارجية أكبر من طاقته وخبرته، وأبعد من أنف جماعته.   "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتحار الإخوان انتحار الإخوان



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon