عمار علي حسن
لا تجرى الرئاسة الراسخة وراء الإعلام وتعرض عليه أى شىء وبأى ثمن، إنما تفعل ما يجعل الإعلام هو الذى يلهث وراءها من أجل متابعة أو تغطية ما تنجزه، لكن ما نراه حالياً هو العكس، جعجعة بلا طحن، وسلوكيات مظهرية يسلكها بعض المحسوبين على الرئاسة من أجل تلميع أنفسهم على حساب المصلحة العامة، وبعد ثورتين لم يشاركوا فيهما، بل الثابت أن أحدهم كان يخون ثورة يناير، حين تطوع ليكتب خطابات مبارك بعد أن مكث فى ماسبيرو الثمانية عشر يوماً التى استغرقتها الثورة، لكن الرئيس الأسبق رفض خدماته، والثابت أيضاً أنه لم يكن أبداً فى الصف الأول ضد نظام الإخوان، وقد يرى البعض أن هذا ليس مهماً، ما دامت الأمور قد ضاعت وماعت، لكن يبقى المهم هو أن يعمل من يوضع فى موقع أو منصب لصالح بلدنا المكلوم وليس لترتيب مستقبله الشخصى على النحو الذى توسوس به إليه أوهامه أو أحلام يقظته، وإن كان من حق كل شخص أن يرى فى نفسه أو لنفسه ما يريد، المهم ألا يكون هذا من جيب مصر أو من أوردتها النازفة.
إننى لا أقول هذا من فراغ، لكن بعد تمحيص فى تصريحات وتصرفات، إن استمرت على المنوال ذاته فقد تعرض النظام الحالى لحرج فى لحظة ما، أو توقعه فى أزمة، بسبب كلام مهما كان حجم أو وزن أو موقع صاحبه، فإن هذا الكلام سيحال إلى السلطة ويُنسب إليها، وليعلم الجميع أن مثل هذا التضارب وتلك الازدواجية وهذه الأريحية كانت أحد الأسباب الأولية لبناء جدار نفسى وعقلى عازل بين الشعب المصرى ونظام مرسى المستبد الفاشل.
وسيقول أحدهم: هذه سلطة عابرة ومؤقتة، لكن لنقف عند حد قول الدكتور مصطفى حجازى، المستشار السياسى للرئيس، الذى ظهر كرجل دولة واعد، من أن المرحلة الراهنة ليست «مؤقتة» إنما «تأسيسية»، وأقول: لا نريد أن نضيع مزيداً من الوقت تحت دعوى «المؤقت» و«العابر» و«تسيير الأعمال» ولنسأل السلطة الحالية، بكل أركانها، ماذا تفعلون من أجل التأسيس هذا غير الرطانة حول «خريطة المستقبل» من دون بذل جهد كاف فى الحوارات والإجراءات المنضبطة والعلمية والمحددة الأهداف حول ما يضمن التقدم على هذه الخريطة، بعيداً عن حوارات خفيفة أمام عدسات الكاميرات، يحرص من يقوم بها على أن يأتى الإعلام على ذكره كل لحظة بغض النظر عن جدوى ما يفعله، وعما إذا كان هو الشخص المناسب، سواء من زاوية التاريخ الوطنى أو الخبرة أو الموقع داخل مؤسسة الرئاسة، للقيام بهذا الدور من حيث المنشأ، وما إذا كان تكليفه هو بهذا الدور سيوحى للناس بأن ما تفعله الرئاسة ليس سوى حملة علاقات عامة، أو رقصات لشغل المسرح، ويوحى لرؤساء الأحزاب السياسية بأن الرئاسة تستخف بهم وإلا أحسنت اختيار من يتحدث معهم أو يتفاوض، ويكون مقنعاً للرأى العام قبل أن يقنعهم هم أنفسهم، أو يتيح لهم وقتاً للثرثرة.
وماذا لو كلف الرئيس مستشاريه جميعاً بوضع ورقة خلفية للنقاش حول ما يجب فعله الآن من أجل التقدم إلى الأمام، ودعا ممثلين عن القوى الثورية والأحزاب وخبراء وشخصيات عامة مرموقة، لمناقشتها بشكل جاد، ثم الخروج بتصور نهائى حولها، على أن يكون الإطار الحاكم لهذا النقاش هو تحقيق مبادئ الثورة: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية فى الدستور والسياسات والقرارات والإجراءات، لأننا فى 30 يونيو استرددنا الدولة التى كانت تضيع، لكن حتى الآن لم نفعل شيئاً جاداً وقوياً وحقيقياً من أجل الثورة، التى هى وسيلة مهمة لبناء الوطن.
ولتعلم السلطة الحالية، والتى ستأتى بعدها، أن كل من يحاول أن يلتف على مطالب الثورة المستحقة يتم ابتلاعه، لأنها استحقاقات واجبة للأغلبية الكاسحة من المصريين، وضرورات لا يمكن التنازل عنها، تحت أى دعوى، فالمصريون نزفوا كثيراً، وانتظروا طويلاً، ولا معنى أن يجلس على رؤوسهم كل فترة من يخونهم أو ينساهم ويبحث عن مجد زائف له، أو يعتقد أن بوسعه أن يعيدهم إلى القمم.
نقلاً عن "الوطن"