عمار علي حسن
هناك مسألة مهمة، بات السكوت عنها ذنبا يصل إلى حد الخطيئة فى حق الإسلام، كمعتقد ومعطى حضارى وتصور كونى، ألا وهى استضافة بعض الفضائيات العربية والأجنبية وجوها بعينها، وتقديمها للمشاهدين على أنها تمثل وجهة نظر الإسلام فى قضايا محددة. وزاد الطين بلة هو تلك الوجوه التى تقوم بتوظيف الإسلام فى الدعاية السياسية، أو تطرح خطابا ضد التحضر والتقدم والتسامح والعيش المشترك، وتبرر سفك الدماء والتخريب.
ولو كانت هذه الوجوه تطرح نفسها للناس على أنها تمثل ذاتها، وتدلى بدلوها فى أى مسألة كانت، لهان الأمر، إذ إن حق التعبير يجب أن يكون مكفولا للجميع مهما بلغت آراؤهم من حدة أو غرابة. لكن المصيبة أن هؤلاء يسحبون تصوراتهم الخاصة، والمخطئة فى أغلب الأحيان، على الإسلام برمته، بل على «النص المؤسس»، وهو القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، مستغلين رحابة هذا النص وانفتاحه وحمله لأوجه متعددة فى تخريج تفسيرات تبرر ما يسلكونه، حتى لو كان مضرا بمصالح الإسلام والمسلمين الآنية والآتيـة.
ومن أسف فإن كثيرا ممن يطلون علينا من شاشات التلفاز فى مناقشة ما بين الإسلام والسياسة المعاصرة من اتصال، هم محترفو سياسة وليسوا علماء دين، أغلبهم قد دفنوا رؤوسهم فى بطون الكتب الصفراء ينهلون منها ويمطرون العصر بكلمات مسجوعة لا تنهض بواقع ولا تشفى الغليل. كما أنهم منفصلون تماما عن السياق الاجتماعى السياسى الراهن، الذى يتطلب خطابا مختلفا عن ذلك الذى يصدرونه إلينا فى مختلف وسائط الإعلام، سواء المقروء منها أم المرئى والمسموع. ولو أن هؤلاء فكروا مليا فى مصلحة الإسلام لكفوا تماما عن الكلام، وانكبوا على الواقع المعيش يدرسون معطياته جيدا، وتلمسوا ما تريده الغالبية العظمى من المسلمين، قبل أن يتحدثوا، بشكل قطعى وإطلاقى، عن تصورات الإسلام للمشكلات الدولية المعاصرة.
ورغم عدم صواب تفسير كل شىء، حسب «نظرية المؤامرة»، فإن الإصرار على تقديم هذه الوجوه فى الإعلام الغربى على أنها لعلماء الإسلام ورموزه لا يخلو من قصد سيئ، قد لا يستهدف «العقيدة الإسلامية» فى بعدها الروحى، لكنه ينال من تصورات الإسلام الحياتية، ويخصم من رصيد المسلمين المعتدلين، سواء كانوا فقهاء أو حتى ممارسى سياسة باسم الإسلام أو تحت رايته. وما يزيد الأمر تعقيدا وتشويها فى الوقت نفسه أن هؤلاء ليسوا ضيوفا دائمين على الإعلام الغربى فحسب، بل أيضاً على قنوات فضائية عربية، تبحث عما يثير، من موضوعات وأشخاص، دون أن يعنيها كثيرا، رسم ملامح معتدلة للتصور السياسى الإسلامى.
وإذا كانت الفرصة معدومة فى منع هؤلاء من ادعاء تمثيل وجهة نظر الإسلام، أو منع القنوات الفضائية العربية والأجنبية من استضافتهم، فإن المتاح هو بث إعلام مضاد، يرفع عن الإسلام ظلما لحق به بأفعال المتشددين وأقوالهم، تشارك فى صنعه عقول مستنيرة تعى الواقع وتدرك جوهر رسالة الإسلام.
وأخيراً أقول: كم من جرائم ترتكب وخطايا تقع باسم الدفاع عن الإسلام.
نقلاً عن "الوطن"