عمار علي حسن
.. .. ليس كل القادة لهم السمات والخصائص والأدوار ذاتها، بل يختلف الأمر ليس وفق قدرات القائد فحسب، بل أيضا السياق الذى يحكمه والتنظيم أو الجماعة التى يقودها. ومن هذه الزاوية ينقسم القادة إلى ثلاثة أصناف، أولها القائد البيروقراطى، وهو شخص يمارس مهامه عبر تسلسل هرمى أو سلطة «مكتبية» متدرجة ويكون نفوذه على أتباعه مستمداً من القوانين واللوائح التى تحكم العلاقة معهم، وتعطيه سلطة العقاب والثواب، لكن هذا لا يمنع من أن يتمتع بعض القادة الإداريين بسمات شخصية، تجعل مكانتهم وهيبتهم غير مستمدة فى كل الأحوال من النفوذ الرسمى الممنوح ابتداءً من أصحاب المناصب العليا.
والثانى هو القائد الديمقراطى الذى يشرك من هم دونه فى صناعة القرارات، لا سيما تلك التى تؤثر تأثيراً بالغاً على وجود الجماعة ومصلحتها، ولا يقوم القائد بهذا مكرهاً، إنما عن اقتناع بحق الآخرين فى تحديد المسارات وتقرير المصائر، وفى بعض الأحيان تكون البيئة المحيطة بالقائد تسلطية، وتكون القوانين مفصلة لصالحه أو تعطيه صلاحيات شبه مطلقة أو مطلقة، لكنه يفضل تجنب كل هذا والعمل بروح الفريق، إيماناً منه بأن هذا هو الأسلوب الأفضل للوصول إلى القرار الرشيد.
أما الثالث، فهو القائد المتسلط، الذى يمتلك ويمارس سلطة مطلقة على أتباعه، فلا يشاورهم أو يرجع إليهم فى أمر أو قرار، وهم لا يملكون حياله إلا الطاعة التامة، وبعضهم قد يعتبرها واجباً لا فكاك منه، وأمثلة هذه القيادة يمكن أن نجدها فى نظم الحكم المستبدة، والجيوش، وبعض الشركات، وعصابات المافيا وغيرها، والأسر الممتدة، والتنظيمات الاجتماعية الأولية التى تعتمد على علاقات القرابة، بل إننا قد نجد أمثلة لهذه القيادة فى نظم ديمقراطية، يخرج فيها القائد على القانون أو يهمل القواعد التى تهندس علاقته ببقية السلطات أو بأعضاء الجهاز الإدارى للدولة أو مساعديه، ويتصرف وفق ما يراه هو، لكن القائد وقتها يكون محل نقد واستهجان وقد تكلفه هذه المغامرة استمراره فى موقعه.
ويقسم «ماكس فيبر» القيادات إلى ثلاث: كارزمية وتقليدية وقانونية عقلانية، والأولى يزداد فيها دور الفرد، وينظر فيها إلى الزعيم باعتباره المحارب أو المخلص أو البطل القومى أو الثورى، وتظهر فى أوقات التحولات الاجتماعية الفارقة التى يتم خلالها تحدى الوضع القائم وطرح بدائل مختلفة جذرياً عنه، ويوصف القائد الكاريزمى بأنه «الملهم» و«الشخصية الجذابة الآسرة» و«الشخص المهاب» الذى تتدافع الجماهير نحو إجلاله.
وهناك خصائص لهذا النمط من القيادة، وفق فيبر، أولها أنها نتاج إدراك الأتباع لشخص معين على أنه ساحر وملهم، قد وهبه الله قدرة خارقة، أو صفات استثنائية، ولذا يجب الخضوع له، والامتثال لأوامره والسير خلفه، والثقة فى تصرفاته فى الأفراح والأتراح، وهذه حالة عاطفية بين الأتباع والقائد، يصعب الاعتماد على العقل والمنطق المحض فى تفسيرها.
وعلى النقيض من هذا النوع من القيادة فإن الاثنتين الأخيرتين، حسب تقسم فيبر، تعتمدان على الرابطة الاجتماعية والقانونية للقائد، وليس على قدراته الذاتية.
ويقسم باس Bass القادة إلى ثلاثة أيضاً: المعتمدون على ذواتهم وتحركهم دوافع قوية من الثقة بالنفس أو الرغبة فى الاستئثار وقد لا يشركون أتباعهم فى القرار، والبراجماتيون الذين يذهبون مباشرة إلى تحقيق أهدافهم متخففين من أى حمولات تعرقلهم، والتفاعليون وهم من يسعون إلى حل المشكلات التى تواجههم من خلال التشاور مع الأتباع، وقد تجتمع هذه الأقسام الثلاثة فى القائد الديمقراطى.
وهناك دراسات حددت نوعين من صناع القرار: المهاجم العنيف والعملى الذرائعى، ويوجد من قسمهم إلى محافظ وإصلاحى وثورى.
( ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).
نقلاً عن "الوطن"