عمار علي حسن
يحدد السياق أو تتحكم الظروف فى إنتاج القائد الذى يناسبها. ففى أيام الحروب والأزمات السياسية الحادة والطاحنة يولد الأبطال التاريخيون فى حياة الشعوب. وفى الأيام التى تعانى فيها المجتمعات من انقسام داخلى وفتنة أو وقوف على حافة الاحتراب الأهلى يولد الوسطاء والمفاوضون، الذين يطرحون الحلول الوسط، ويقربون بين الفرقاء المتصارعين، ويجذبونهم إلى منطقة للتلاقى، تمنع انفجار الوضع، وتعيد الاستقرار.
وتتفاوت أساليب اختيار القادة السياسيين، فهناك من يصل إلى القيادة لأسباب وراثية، مثل ما يجرى فى النظم الملكية والمشيخيات أو المجتمعات القبلية، وهناك من يحوزها لأسباب دينية، كحال الدالاى لاما فى الصين، لكن الأغلبية تصل إليها عبر طريق سياسى طويل، يحتاج إلى جهد وعرق وتفكير، كأن يترقى الشخص داخل حزب سياسى أو تنظيم اجتماعى، ويخوض منافسات شرسة من أجل هذا الترقى، حتى يصل إلى قمة الهرم. وينطبق الأمر نفسه على الحياة العسكرية، حيث يبدأ الضابط رحلته من رتبة صغرى ويترقى تباعا ويظفر فى النهاية بالقيادة، بعد أن يكون قد تغلب على كثيرين فى طريقه، بتصرفات مختلفة.
وقد تحدثت النظريات الاشتراكية عن مبدأ «القيادة الجماعية»، الذى تمثل فى حق كل عضو فى المناقشات الحرة داخل الحزب، حول مختلف القضايا، وحقه فى انتخاب الهيئات والترشح لها ثم مراقبتها ومحاسبتها، ورأت أنها شرط لا غنى عنه لنشاط الحزب الثورى وتربية كوادره وتطوير فعالياته، عبر خلق الروح الجماعية التى تتحد فيها مواهب كثيرة فى موهبة واحدة، وآراء متعددة فى رأى واحد، وذلك فى ظل الإيمان بروح التنظيم وانضباطه الحديدى، والشعور بالمسئولية حياله.
ولا يعنى هذا أن تلك النظريات تجب القيادة الفردية تماما أو تنكرها، بل تتحدث عن شخصيات لديها قدرات خاصة تؤثر فى سير الأحداث، وتصل بسرعة إلى تحديد أقصر الطرق إلى تحقيق الأهداف، وتدرك أكثر من غيرها ما هو مطلوب فى سبيل التطور الاجتماعى، وقياس اتجاهات الجماهير الغفيرة. كما أن القيادة الجماعية لا تعفى من مسئولية لكل عضو من أعضاء التنظيم، مهما علت مكانته، عن المهام الموكلة إليه كفرد.
وفى مجال العلاقات الدولية تبدو «القيادة» ذات حدود مشتركة مع «الهيمنة»، لأنها تصف الفاعل الدولى الذى يتمتع بزعامة، بحكم الأمر الواقع الذى يتأسس على امتلاكه لشروط القيادة، أو ركائز القوة الصلبة والناعمة. كما تستخدم القيادة فى تحليل دور الزعماء فى توجيه السياسات الخارجية للدول أو أنشطة المنظمات الدولية.
وقد أظهرت دراسات عديدة أن «النسق العقيدى للقائد» له دوره فى صناعة قرار الدول حيال الخارج، ومن ثم فإن تحليل سماته النفسية وتجاربه الذاتية والعناصر التى شكلت تكوينه هو مسألة غاية فى الأهمية، كى نعرف لماذا يتصرف هكذا. وتزيد قيمة هذا المدخل فى الدول المستبدة والشمولية، التى تفتقد مؤسسات راسخة تشارك فى صناعة السياسة الخارجية أو تضعها، بما يعطى القادة مساحة أكبر للانفراد بهذه العملية أو جلها.
نقلاً عن "الوطن"